الصراع الروسي الأوكراني: خلفية الصراع والواقع الراهن في ظل ولاية ترامب الثانية

المواضيع ذات الصلة

منطقة اعلانية

spot_img

انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال أوكرانيا وشرارة الصراع الروسي الأوكراني

منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي، استطاعت أوكرانيا انتزاع استقلالها (24 أغسطس 1991) وأضحت دولة موحدة وذات سيادة تبسط سلطتها على 24 مدينة وإقليم، واتخذت من كييف عاصمة لها. ومن ضمن أراضيها أيضاً شبه جزيرة القرم ذات الحكم الذاتي والتي فيما بعد أصبحت قنبلة لتفجير الصراع مع جارتها الشرقية الدولة الأم سابقاً وهي روسيا الاتحادية.   منذ تاريخ استقلالها لم تنعم أوكرانيا بعلاقات مستقرة مع موسكو وعاشت حالة من التذبذب في العلاقات تتراوح بين الموالاة والتوتر. ويرجع أسباب هذا التوتر إلى التخوف المستمر لدى موسكو من انحياز كييف للمعسكر الغربي ولا سيما حلف الناتو الذي ما انفك يضع أوكرانيا ضمن سياسته التوسعية شرقاً ليحاصر خصمه التاريخي ويحشره في الزاوية. وهكذا كان قدر أوكرانيا أن تقع بين فكي العمالقة وبين محور التجاذبات الدولية شرقاً وغرباً.

بدأ الخلاف بين روسيا وأوكرانيا عام 2003 عندما أقامت موسكو سداً في مضيق “كريتش”، مما أثار اعتراض كييف التي رأت في ذلك إعادة لرسم الحدود، لكن روسيا أوقفت البناء لاحقًا. في السنوات التالية، سعت القوى الغربية، بقيادة الناتو والولايات المتحدة، إلى فصل أوكرانيا عن روسيا بوسائل مختلفة، ومع حلول 2012 تعززت علاقات أوكرانيا بالاتحاد الأوروبي، حيث قدم لها اتفاقية شراكة لم يوقعها الرئيس الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات “يوروميدان” التي أطاحت به عام 2014. عقب ذلك، وقّعت أوكرانيا الجزء السياسي من الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، مما عزز نفوذ الغرب على حدود روسيا، ونتج عنه دعم مالي وانضمام أوكرانيا لاتفاقية التجارة الحرة، وحصول مواطنيها على تأشيرة “شنغن”، ودخول اتفاقية الشراكة حيز التنفيذ في سبتمبر 2017، رغم معارضة أنصار موسكو في شرق أوكرانيا.

البيئة الاستراتيجية الدولية وموقف الدول الكبرى من الصراع

منذ سقوط الاتحاد السوفيتي أصبحت أوكرانيا محور الصراع الجيوستراتيجي بين المعسكر الشرقي ممثلاً في روسيا الاتحادية وحلفائها في المنطقة من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى. وقد ذكر مستشار الأمن القومي الأسبق زبغنيو بريجنسكي، في كتابه الشهير “رقعة الشطرنج” أن أوكرانيا دولة محورية ومهمة لعودة روسيا الامبراطورية واستعادة إرث الاتحاد السوفيتي من جديد. كما أن دور وضع روسيا الجيوستراتيجي ونفوذها في المنطقة يتوقف على إقامة نظام مؤيد لها في أوكرانيا تستطيع من خلاله التأثير على المحيط وإيقاف المدى الغربي الزاحف على حدودها الغربية. فإذا استطاعت روسيا استمالة أوكرانيا أو السيطرة عليها، فإنها ستحصل على موارد ضخمة وسواحل واسعة على البحر الأسود وحينها ستصبح إمبراطورية عظيمة وتعيد مجد الاتحاد السوفيتي الذي غاب نجمه.(2)

تتمحور وجهة النظر الأوروبية والأمريكية بأن وجود أوكرانيا القوية والمستقلة تعد جزءً جوهرياً وحاسماً لبناء أوروبا الحرة والآمنة والمستقرة. وهذا الهدف يتطلب استكمال عمليات تأمين أوروبا، وخاصة من ناحية حدودها الشرقية وإضعاف النفوذ الروسي في تلك المناطق وفي نهاية المطاف الوصول إلى مواقع تلامس الأراضي الروسية. لذا، سعت دول حلف الناتو إلى إدماج أوكرانيا تحت مظلة الشراكة الاقتصادية والأمنية حتى تتمكن من إحكام سيطرتها على البوابة الشرقية بصورة توقف التمدد الروسي غرباً. أما الدب الروسي، فقد كان عاجزاً في تسعينات القرن الماضي، ولكنه يبدوا أنه تعافى ويحاول جاهداً استعادة زمام المبادرة، ولن يسمح للغرب بالتمدد شرقاً. لذلك، كان الغزو ودعم انفصال أجزاء من أوكرانيا من قبل ذلك جزء من سياسة جيوستراتيجية ثابتة في أروقة صانع القرار الروسي.(3)

شهد الموقف الأمريكي تصعيداً واضحاً منذ أن أقدمت روسيا على ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014، فقد تسارعت وتيرة التعاون العسكري والأمني بين الولايات المتحدة وأوكرانيا. تشير التقارير إلى حصول أوكرانيا خلال الفترة من 2014 إلى 2021، على أكثر من خمسة مليار دولار من الولايات المتحدة في شكل حزم من الأسلحة والتدريب والمعدات للجيش الأكراني ودعم مكافحة التهديدات السيبرانية علاوة على الدعم الاستخباراتي الكبير لمواجهة التهديدات الروسية. شاركت القوات الأوكرانية في مناورات عسكرية مع الجانب الأمريكي وسمحت بنشر صواريخ أمريكية على أراضيها الأمر الذي دفع روسيا للمطالبة عدة مرات بضرورة تخفيف الحشد العسكري الأميركي في أوكرانيا. في مارس 2021، أرسلت واشنطن مجموعة سفن تابعة لأسطولها السادس ودخلت البحر الأسود، كما شرعت في فتح مسار للوجود في البحر الأسود في إطار الاستعدادات لتأمين منطقتي البلقان والبحر الأسود. في هذا الجو المشحون والمتوتر، كانت روسيا تراقب التحركات الأمريكية بحذر وقلق بالغ الخطورة.

يبدو الموقف الصيني أكثر تعقيداً تجاه الصراع الروسي الأوكراني، ويرى كثير من المراقبين أن العلاقات بين موسكو وبكين، وإن بدأت متينة بفضل حرص الجانبين على إظهار هذا الجانب، إلا أنها لا تخلو من التعقيد ومتناقضة أحياناً بسبب التنافس على بسط النفوذ في منطقة آسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة. وفي ظل المتغيرات التي فرضها الغزو الروسي لأوكرانيا، تحاول الصين الاستفادة من الوضع الجديد الناشئ عن هذا الغزو وما ترتب عنه من عقوبات دولية، إذ أن العناوين الاقتصادية واضحة وتمثل جوهر العلاقات بين العملاق الصيني والدب الروسي. ولا يخفى على أحد أن بكين هي المستفيد الأول منها وهو ما تؤكده أرقام الميزان التجاري للجانبين، وخاصة في ظل التعطش الصيني لمصادر الطاقة الروسية التي أصبحت تأخذها بأسعار تفضيلية زهيدة بعد توقف أوروبا عن استيراد النفط والغاز والفحم من موسكو.(4)

 لعل أهم ما يميز أوكرانيا هي تداخلاتها الحدودية مع العديد من الدول الأمر الذي يجعل الحرب في أوكرانيا ذات تأثيرات على تلك الدول وعلى الإقليم من حولها. فإذا ما استصحبنا الموقع الجغرافي حيث الجارة الشمالية بيلاروسيا الموالية والمناصرة لروسيا ومن الغرب بولندا وسلوفاكيا والمجر ومن الجنوب الغربي رومانيا ومولدافيا ومن الجنوب البحر الأسود وبحر أزوف، وتتشارك أطول حدود مع روسيا إذ تبلغ 4566 كلم. لذا، نجد أن كل هذه المعطيات والتشارك في الحدود، علاوة على التداخل العرقي إذا أن 40% من السكان الأوكرانيين ينحدرون من أصول روسية الأمر الذي يعقد المشهد ويضفي أبعاداً عرقية على هذا الصراع.

اختلفت الاتجاهات والمواقف حيال هذه الصراع الروسي الأوكراني، فهناك فريق انخرط مباشرة في الصراع واعتبر أن هذه الحرب مصيريه ولا بد من تأييدها مثل بيلاروسيا التي ترى أن ميول كييف نحو الناتو مهدد وجودي لبقاء الدولة البيلاروسية وعلى هذه الفرضية بنت موقفها المؤيد لروسيا ومكنت القوات الروسية من استخدام أراضيها، حيث انطلقت معظم قوات الغزو من الحدود البيلاروسية في المرحلة الأولى من الحرب. جاء موقف دول الأقاليم التابعة لحلف الناتو واضحاً وصريحاً من الصراع الروسي الأوكراني وقرروا دعمها بالعتاد والسلاح وتقديم المشورة اللازمة للقوات الأوكرانية ووضع هدف واضح وهو إلحاق الهزيمة الاستراتيجية بروسيا الاتحادية. تبنى هذا الطرح معظم الدول في حلف الناتو وعلى رأسها بريطانيا وألمانيا ومعظم دول شرق أوربا المنضمة مؤخراً للحلف والمجاورة لأوكرانيا.

شهدت الأوضاع الداخلية الأوكرانية عقب الاستقلال فترة من الصراع السياسي مدعوماً من سياسيين روس وتجسد هذا الصراع في تعزيز علاقة شبه جزيرة القرم مع روسيا ومن خلال عدة خطوات ثبتت روسيا سيادتها على الجزيرة الأمر الذي اعتبرته كييف مخالفًا للدستور الأوكراني. أما روسيا فقد بررت تدخلها في شبه جزيرة القرم من أجل حماية المواطنين الروس، حيث يشكل الروس الغالبية العظمى من سكان شبه جزيرة القرم، وفعلت الأمر نفسه في منطقة “الدونباس” في جنوب شرق أوكرانيا. هذا التدخل الخشن والضم غير القانوني جعل الداخل الأوكراني ينظر لجميع تحركات موسكو بالريبة والشك الأمر الذي دفع كييف إلى البحث عن حليف قوي يضمن لها حفظ سيادة ووحدة أراضيها، فوجدت حلف الناتو جاهزاً ومتحمساً لهذه الحماية.

ظلت روسيا تسوغ الذرائع والحجج للتدخل في أوكرانيا، فتارة بحجة حماية القومية الروسية وتارة بحجة تأمين حدودها الغربية من أي خطر قادم من المعسكر الغربي. ونظراً للاشتراك الجغرافي والتاريخي بين روسيا وأوكرانيا وما تمثله الأخيرة من أهمية كبرى، لا تستطيع روسيا غض الطرف عنها سياسياً واقتصادياً. لذا، عندما بدأت بوادر التقارب بين كييف وحلف الناتو، كان الداخل الروسي وجميع النخب السياسية الحاكمة والمعارضة أحست بالخطر الوشيك ولعل هذا ما يفسر الالتفاف الشعبي المؤيد لهذه الحرب في الداخل الروسي.

منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبحت الدول المنفصلة عنه ميدانًا للتنافس بين الشرق والغرب، وكانت أوكرانيا الأكثر عرضة للصراع. يسعى الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، إلى إضعاف روسيا والحد من نفوذها في أوروبا الشرقية، بل إن بعض الدول الأوروبية نظرت إلى روسيا كمصدر للمواد الخام فقط، مما دفع بوتين للتحرك لحماية مصالح بلاده. هناك فرضية بأن الغرب دفع أوكرانيا إلى المواجهة لاستدراج روسيا إلى مستنقع الحرب، ومن ثم مواجهتها بحلف الناتو، لكن رسميًا، لا يزال الحلف ينفي رغبته في خوض حرب مباشرة.

كان اندلاع الصراع الروسي الأوكراني متوقعًا نظرًا للتحالفات الإقليمية والتوترات المستمرة بين الطرفين. على المستوى الداخلي، كانت المجتمعات في البلدين مهيأة نفسيًا لهذا الصراع، خاصة مع تباين تطلعات الشعبين وتعارض المصالح بين موسكو وكييف. المحللون حذروا منذ سنوات من احتمالية وقوع الحرب، إذ كانت العوامل السياسية والاستراتيجية تشير إلى صدام حتمي بين الطرفين، مما جعل تفجر الصراع أمرًا متوقعًا في ظل التحولات الجيوسياسية في المنطقة. 

التحالفات والتوازنات الإقليمية والدولية – التحالفات الروسية لحفظ التوازن

انتهجت روسيا برئاسة فلاديمير بوتين استراتيجية ثلاثية الأبعاد لإدارة تحالفاتها وحفظ التوازنات الجيوستراتيجية في محيطها الإقليمي والدولي. البعد الأول هو السعي لتأسيس اتحاد سوفيتي جديد يقوم على نوع من التكامل الإقليمي بقيادة روسيا الاتحادية وبعضوية الجمهوريات السوفيتية السابقة مثل بيلاروسيا وكازاخستان في مواجهة الاتحاد الأوربي.

أما البعد الثاني هو التدخل العسكري الصريح في بعض الدول التي يحاول الغرب استقطابها وضمها للحلف الغربي الأمر الذي تعتبره روسيا أمراً مخلاً بالتوازن الجيواستراتيجي بين روسيا والغرب، وهذا ما حدث بالضبط في جورجيا، ويحدث الآن في أوكرانيا.         البعد الثالث والأخير هو حفظ التوازن مع الغرب خارج الإقليم من خلال إقامة تحالفات في الشرق الأوسط وأفريقيا والشرق الأدنى لزعزعة النفوذ الغربي في تلك المناطق والتمهيد لإقامة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.  هذا المسعى الأخير يجد تأييداً كبيراً من جمهورية الصين الشعبية.

ظلت التحالفات بين الدول من أكثر الأدوات الفعالة لإدارات الصراعات والتوازنات، لذا نجد أن الصراع الروسي الأوكراني قد أعادت رسم التوازنات وخاصة فيما يتعلق بتداعيات هذه الحرب الروسية الأوكرانية على منطقة المحيط الهندي والهادي (الإندو-باسفيك). من المتوقع أن تعزز الولايات المتحدة الميول الأوروبية نحو هذه المنطقة والبحث عن موطئ قدم لحلف الناتو في تلك المناطق. يرى خبراء الحروب أن الحرب الروسية الأوكرانية عززت مخاوف دول منطقة الإندو-باسفيك من التحدي الصيني المحتمل الأمر الذي دفع بعض دول هذه المنطقة لموازنة التحدي الصيني من خلال التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية. السعي لتحقيق هذا التوازن بدأ واضحا من خلال التحالفات الأمريكية الجديدة مع كلٍ من أستراليا والفلبين وغيرها.(5)

 من خلال مناقشة التحالفات والتوازنات التي خلفها الصراع الروسي الأوكراني، يمكننا استخلاص عودة التهديدات التقليدية بقوة إلى الساحة الدولية مع إعادة خارطة التحالفات العسكرية في إدارة الصراعات وبناء التوازنات الدولية الجديدة وإعادة تقسيم العالم على أساس المواقف من الحرب.  لقد انكشف هذا التباين من خلال الانقسام في مواقف الدول داخل مجلس الأمن الدولي في تصويتها على القرارات المرتبطة بالحرب. أصبح هناك عذر واضح للقوى الدولية على أساس تأثير الصراع الروسي الأوكراني على قواعد النظام العالمي، وعلى أساس مواقف الدول من القوة المسيطرة (الولايات المتحدة الأمريكية) والقوى الصاعدة والمرشحة لاحتلال مواقع متقدمة (روسيا والصين).

الأهداف الاستراتيجية الروسية والأوكرانية

 وضعت روسيا أهدافاً استراتيجية كبيرة وسوقتها للداخل الروسي وهي إيقاف تمدد حلف الناتو شرقاً، خاصة عندما طلبت أوكرانيا الانضمام للحلف وكان الهدف هو إسقاط نظام الحكم في أوكرانيا وتأسيس نظام حكم موالي لروسيا. كما تحاول موسكو أيضاً إرسال رسالة إلى دول المنطقة التي تتبنى الحياد مثل السويد وفنلندا بأن لا تفكر في الانضمام إلى الحلف لأن ذلك سيجعل مصيرها مصير أوكرانيا. ومن ضمن أهدافها الاستراتيجية الكبرى هو تكوين نظام عالمي متعدد الأقطاب. أما الهدف العملياتي يتمثل في دفع القوات من عدة محاور انطلاقاً من بلاروسيا في الشمال وإقليم دونباس في الشرق الأوكراني ومن الجنوب انطلاقاً من شبه جزيرة القرم ويكون الهدف العملياتي النهائي هو الوصول إلى كييف وإحكام السيطرة عليها وتغيير نظام الحكم.

من غير الواضح ما إذا كان لأوكرانيا أهداف استراتيجية من الحرب، ولكن حلفائها الغربيين لديهم أهداف استراتيجية واضحة وهو توسيع حلف الناتو شرقاً ليصل إلى الحدود الروسية ومن ثم إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا. ومن غير الواضح إن كانت أوكرانيا تعلم بأن خطوة الانضمام لحلف الناتو ستجر عليها الخراب والدمار. وعندما اندلعت الحرب، وجد الجيش الأوكراني نفسه في موقف الدفاع، فوضع أهداف عملياتية عديدة أهمها حرمان الجيش الروسي من الوصول إلى كييف وعرقلة الزخم الروسي وتشتيت قوته في جميع محاور التقدم.

هل بمقدور ترامب فعلاً إنهاء الحرب في أوكرانيا!

يواجه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب تحديات في تحقيق وعوده بإنهاء الصراع الروسي الأوكراني، حيث أعلنت موسكو عدم رضاها عن مقترحات فريقه بشأن الأزمة. وأوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن روسيا ترفض تأجيل عضوية أوكرانيا في الناتو لمدة 20 عامًا، وكذلك نشر قوات حفظ سلام أوروبية هناك. ومع ذلك، أكد لافروف استعداد موسكو للتفاوض شريطة التوصل إلى اتفاقيات موثوقة وملزمة قانونيًا تضمن استقرار الوضع.

خلال حملته الانتخابية، وعد ترامب بإنهاء الحرب بخفض الدعم العسكري لكييف، متسائلًا عن سبب تحمل بلاده عبء المساعدات بدلاً من أوروبا. وتشير تسريبات إلى أن خطته تعتمد على الضغط على طرفي النزاع، إما بتقليص الدعم لأوكرانيا لإجبارها على التفاوض أو بزيادة تسليحها إذا رفضت موسكو التفاوض. ويرى مراقبون روس أن مقاربة ترامب قد تفتح نافذة لخفض التوترات بين واشنطن وموسكو مقارنة بعهد بايدن.

فوضوية ترامب  وبراغماتية زيلنسكي  

شهدت العلاقات بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأميركي دونالد ترامب توتراً كبيراً خلال محادثات السلام مع روسيا، مما كاد يدفع واشنطن إلى سحب دعمها العسكري لأوكرانيا، وفقاً لمصادر أميركية. وتصاعدت الأزمة إلى حرب كلامية بين الطرفين، أثارت مخاوف الحلفاء الأوروبيين من أن يؤدي ذلك إلى تشجيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مواصلة التوسع. وتعود جذور التوتر بين زيلينسكي وترامب إلى عام 2019 عندما حاول الأخير استخدام المساعدات العسكرية كوسيلة ضغط لفتح تحقيق بشأن نجل الرئيس جو بايدن. وفي الأسابيع الأخيرة، زادت حدة الخلافات بعد سلسلة من الحوادث، أبرزها رفض زيلينسكي لصفقة تمنح الولايات المتحدة حقوقاً في المعادن الأوكرانية، وانتقاده لمفاوضات أميركية-روسية تمت دون مشاركة أوكرانيا، مما دفع ترامب إلى مهاجمته علناً واتهامه بعدم الكفاءة السياسية.

وعلى الرغم من تصاعد الخلافات، استمرت إدارة ترامب في التفاوض مع زيلينسكي بشأن صفقة محتملة حول حقوق التعدين، قد تكون جزءاً من اتفاق سلام مستقبلي. وتشير التوقعات إلى أن فريق ترامب سيضغط على أوكرانيا للتنازل عن أجزاء من شبه جزيرة القرم ومناطق أخرى خاضعة للسيطرة الروسية منذ الغزو. وبينما يرى بعض المراقبين أن مطالب واشنطن بحقوق التعدين بمثابة ابتزاز رخيص، كما يحذر آخرون من أن أوكرانيا قد تخسر مواردها الطبيعية دون الحصول على مكاسب حقيقية. ومع استمرار التوتر، يبقى مستقبل العلاقات بين كييف وواشنطن، وكذلك الموقف الأميركي من دعم أوكرانيا، محل تساؤلات كبيرة.

هواجس الحلفاء وخطط ترامب لتصفية الحرب وإمكانية التنازل عن مناطق لصالح روسيا

تزداد ملامح خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في أوكرانيا وضوحًا، لكنها تثير قلق الحلفاء الأوروبيين بسبب دورهم الثانوي فيها. فقد أجرى ترامب مكالمة هاتفية مطولة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وصفها مسؤولون روس بأنها “عميقة ومهمة”. وفي الوقت نفسه، أطلع وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث شركاء الناتو على التوجهات الجديدة للسياسة الأميركية بشأن أوكرانيا، والتي تشير إلى إمكانية تقديم تنازلات كبيرة لروسيا.

وفقًا لتسريبات إعلامية، تتضمن الخطة الأميركية وقفًا لإطلاق النار بحلول 20 أبريل، وانسحابًا أوكرانيًا من مناطق استراتيجية، مع الاعتراف بسيادة روسيا على بعض الأراضي المحتلة. ورغم نفي زيلينسكي لهذه المزاعم، فإن تصريحات وزير الدفاع الأميركي عن عدم واقعية العودة إلى حدود ما قبل 2014 تعزز التكهنات بأن واشنطن ستطلب رسميًا من أوكرانيا الاعتراف بالمناطق التي خسرتها.

تحديد منطقة عازلة وقتل الحلم الأوكراني بالانضمام لحلف الناتو

تشمل الخطة أيضًا إقامة منطقة عازلة تحت مراقبة قوات دولية غير تابعة للناتو، مع استبعاد عضوية أوكرانيا في الحلف. وبعد مكالمته مع ترامب، بدا بوتين منفتحًا على المفاوضات، في حين أبدى زيلينسكي تفاؤلًا مشوبًا بالحذر، مطالبًا بضمانات أمنية دائمة. وتخطط إدارة ترامب لعقد محادثات مباشرة بين بوتين وزيلينسكي في مارس، يتبعها مؤتمر سلام دولي برعاية قوى كبرى لوضع تفاصيل التسوية النهائية بحلول 9 مايو.

أثارت تحركات ترامب المفاجئة استياء الحلفاء الأوروبيين الذين توقعوا مناقشة خطته في مؤتمر ميونيخ للأمن، لكنهم وجدوا أنفسهم خارج دائرة القرار. يشعر الاتحاد الأوروبي بالقلق من تحميله عبء إعادة إعمار أوكرانيا دون دور فاعل في المفاوضات، فيما انتقد خبراء الأمن الغربيون هذه الخطط، معتبرين أنها تمثل انتصارًا لروسيا وتراجعًا عن المواقف الغربية السابقة.

موقع دولة الإمارات من التوازنات الجديدة

 رسمت دولة الإمارات خطاً واضحاً في التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية، وانتهجت موقفاً متوازناً من التجاذبات بين المعسكر الشرقي والغربي، وبتوافق تام مع المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج. لقد أبقت دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية الباب مفتوحاً بمقدار متساوي لكل من روسيا وأوكرانيا ومن خلفها حلفائها الغربيين. وما يجسد هذا الموقف هو زيارة الشيخ محمد بن زايد رئيس الدولة أثناء الحرب بتاريخ 11 أكتوبر 2022 إلى موسكو ومساعيه لحل الازمة، والزيادة المؤخرة للرئيس بوتن لدولة الإمارات بتاريخ 6/12/2023. وفي ذات الوقت حافظت الإمارات على العلاقات مع أوكرانيا من خلال إرسال المساعدات وأبقت على علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن المملكة العربية السعودية دعت الرئيس الأوكراني فلاديمير زلينسكي لحضور القمة العربية في جدة بتاريخ 19/5/2023.

هذه المواقف تجسد مدى توازن وتنسيق المواقف في منطقة الخليج العربي وتعاملها بنضوج يحقق التوازن الاستراتيجي في المنطقة. كما أن دولة الإمارات تدعم التوجه الجديد للرئيس ترامب ا لذي يسعى لعقد اجتماع المملكة العربية السعودية بين ترامب وبوتين لمناقشة قضايا محورية على رأسها الحرب الأوكرانية الروسية.

الإمارات ترحب بالمباحثات الأمريكية الروسية في الرياض وتدعم جهود السلام الدولية

 رحبت الإمارات العربية المتحدة بالمباحثات التي جرت في الرياض بين الولايات المتحدة وروسيا بتاريخ 18 فبراير 2025 بشأن الأزمة الأوكرانية، مثمنةً جهود السعودية في استضافة هذه اللقاءات التي تعكس التزامها بدعم السلام والاستقرار العالمي. وأكدت وزارة الخارجية الإماراتية موقفها الثابت في دعم الحلول السلمية والتعاون الدولي لحل النزاعات، مشددة على أهمية الحوار البناء بين الأطراف المعنية لتحقيق الأمن والازدهار. في سياق متصل، اتفقت واشنطن وموسكو على تشكيل فرق تفاوض رفيعة المستوى للعمل على إنهاء الصراع الأوكراني، وذلك بعد اجتماع موسع بين وزيري خارجية البلدين، وسط انتقادات أوروبية وأوكرانية لاستبعاد كييف من المحادثات.

وناقش الاجتماع القضايا الأمنية والاقتصادية، حيث شدد لافروف على رفض موسكو نشر قوات الناتو في أوكرانيا، فيما أكد الكرملين أن أي حل مستدام يجب أن يعالج المخاوف الأمنية الأوروبية. كما تناولت المحادثات العقوبات الغربية على روسيا وإمكانية رفعها، في ظل اهتمام مشترك بين موسكو وواشنطن بتخفيف التوترات. وبينما انتقد زيلينسكي استبعاد أوكرانيا من المفاوضات، اقترح الرئيس التركي أردوغان استضافة بلاده لأي محادثات مستقبلية. ويأتي هذا اللقاء بعد فترة من الجمود في العلاقات الأميركية-الروسية، تزامنًا مع إعلان ترامب عزمه لقاء بوتين في السعودية قريبًا، مما قد يمهد لمزيد من التحركات الدبلوماسية بشأن الأزمة المستمرة منذ ثلاث سنوات.

الحرب الروسية الأوكرانية بين النقد والتحليل

هل حققت روسيا أهدافها الاستراتيجية؟ لا يمكن الحكم على تحقيق الأهداف بالصورة القاطعة والحرب مازالت مستمرة، لكن هناك بعض الإشارات التي يمكن الاستدلال بها. تراجعت الأهداف الروسية من إسقاط النظام الأوكراني إلى مجرد الاحتفاظ بمقاطعتي زابوريجيا وخيرسون. كان الهدف الروسي الاستراتيجي هو إيقاف تمدد حلف الناتو شرقاً، لكن يبدو أن حلف الناتو قد تمدد فعلاً من خلال وضع اللمسات الأخيرة على ضم السويد وفنلندا وبذلك يكون قد أقترب من الحدود الروسية، على الرغم من أن أوكرانيا باتت بعيدة عن الانضمام بسبب تعقيد المشهد. بالمقابل، خسرت أوكرانيا أهدافها وتدمرت بيتها التحتية الأمر الذي يحتاج إلى عقود من الزمان حتى تستعيد عافيتها الاقتصادية، كما أن حلف الناتو لم يقدم لها إجراءات واضحة لضمها إلى الحلف حتى هذه اللحظة.

تصور استراتيجي لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية

السيناريو التفاوضي (اتفاق سلام شامل): يرتكز هذا السيناريو على اتفاق دبلوماسي ترعاه الأمم المتحدة والدول الكبرى، ويتضمن إعلان وقف إطلاق النار الفوري، يسبقه انسحاب تدريجي للقوات الروسية من الأراضي الأوكرانية المحتلة حديثًا، مع استثناء القرم التي يتم التعامل معها عبر مفاوضات طويلة الأمد. كما يتضمن ضمان حياد أوكرانيا عسكريًا من خلال عدم انضمامها لحلف الناتو، مع حصولها على ضمانات أمنية من الدول الكبرى. بالإضافة إلى ذلك، يتم منح حكم ذاتي موسع لمناطق شرق أوكرانيا (دونيتسك ولوهانسك) ضمن السيادة الأوكرانية، مع ترتيبات خاصة تضمن حقوق السكان الروس هناك. ويترافق ذلك مع رفع تدريجي للعقوبات على روسيا وفقًا لمدى التزامها ببنود الاتفاق، إلى جانب خطة دولية لإعادة إعمار أوكرانيا بمشاركة الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية.

السيناريو العسكري (الحسم بالقوة): يقوم هذا السيناريو على استمرار الحرب الروسية الأوكرانية حتى تحقيق نصر واضح لأحد الطرفين، وهو سيناريو مكلف لجميع الأطراف. كما يتضمن تصاعد الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، مما قد يؤدي إلى استنزاف روسيا وإجبارها على التراجع. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو يحمل مخاطر احتمالية تصعيد أوسع نطاقًا قد يشمل مواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا، وهو أمر غير مرجح نظرًا للتكلفة العالية والآثار المترتبة على الاستقرار الدولي.

السيناريو المجمد (حرب طويلة الأمد بدون حل نهائي): يتمثل هذا السيناريو في استمرار النزاع دون تحقيق انتصار حاسم لأي طرف، مما يؤدي إلى خلق “نزاع مجمد” مشابه للوضع بين الكوريتين. تستمر المعارك بشكل متقطع دون تغييرات جوهرية في الخارطة العسكرية، بينما تتحول أوكرانيا إلى “دولة جبهة” تتلقى دعمًا عسكريًا غربيًا طويل الأمد، في حين تحافظ روسيا على سيطرتها على المناطق التي استولت عليها، مما يجعل الحل النهائي للصراع غير قابل للتحقق في المستقبل القريب.

السيناريو السياسي (صفقة كبرى بين القوى العظمى): يعتمد هذا السيناريو على إمكانية التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وموسكو (وربما بكين) حول نظام عالمي جديد يحدد مناطق النفوذ بشكل يضمن أمن روسيا مقابل تهدئة الغرب. ونتيجة لذلك، قد تصبح أوكرانيا منطقة “عازلة” بين روسيا والناتو، مع ترتيبات اقتصادية وأمنية جديدة تضمن استقرارها وتحد من احتمالات اندلاع النزاعات المستقبلية.

يرجى الاطلاع على المزيد من المقالات حول العلوم السياسية

لخدماتنا المختلفة يرجى الاطلاع على قسم الاستشارات

مراجع المقال

المراجع العربية

  • د. قاسم محمد عبيد، الأزمات الدولية ومستقبل التوازنات الجيوستراتيجية العالمية (الزمة السورية والأوكرانية انموذجا)، بغداد، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2016
  • محمد فايز، مقال تحليلي: مشهد استراتيجي عالمي جديد: ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية على منطقة الإندو-باسيفيك، مركز الإمارات للسياساتhttps://epc.ae/ar/details/featured/mashhad-astiratiji-alami-jadid-airtidadat-alharb-alruwsia-al-uwkrania-ala-mintaqat-al-indu-basifik
  • مقال تحليلي: رجال حول بوتين، موقع عرب بوست، رابط الموقع: https://arabicpost.shorthandstories.com/putin-s-people/index.html
  • “لماذا فقدت روسيا العديد من الدبابات”. موقع جريدة بي بي سي bbc.com/news/world-61021388
  • عبدالله الموسى، مقال معلوماتي: الغزو الروسي لأوكرانيا.. محاور الهجوم وخريطة السيطرة، موقع التلفزيون السوري، رابط الموقع: https://www.syria.tv

المراجع الأجنبية

زبغنيو بريجنسكي، كتاب “رقعة الشطرنج الكبرى: السيطرة الأميركية وما يترتب عليها جيواستراتيجياً”. ص25، مركز الدراسات العسكرية، واشنطن، 1999

مواقع الانترنت

  • “روسيا وأوكرانيا: تاريخ متشابك وقرون من الصراعات والحروب”. موقع بي بي سي عربي.. https://www.bbc.com/arabic/world-60683368
  • أمين زرواطي، دراسة تحليلية “الصين وروسيا – من التنافس الإقليمي إلى تعزيز العلاقات بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا”. موقع فرنسا24. تاريخ الدخول: 15/11/2023، سعت 1800 رابط الموقع: https://www.france24.com/ar
  • جيمي ديتمر، مقال “التعبية الأوكرانية تمزق الغزو الروسي”، موقع صوت أمريكا الحر.. voanews.com/a/ukraine-tactics-disrupt-russian-invasion-western
  • تقرير “القوات الأوكرانية تستعيد خاركييف”. موقع قناة العربية.. alarabiya.net/arab-and-world/2022/
  • أمين زرواطي، دراسة تحليلية “الصين وروسيا – من التنافس الإقليمي إلى تعزيز العلاقات بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا”. موقع فرنسا24. https://www.france24.com/ar