تداعيات عودة ترامب للبيت الأبيض على الشرق الأوسط

المواضيع ذات الصلة

منطقة اعلانية

spot_img

في السادس من نوفمبر 2024، فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية متغلباً على كامالا هاريس بفارق كبير، وهو ما جعله يعود إلى البيت الأبيض بعد هزيمته أمام غريمه جو بايدن في العام2020. هذا الفوز يأتي في وقت يشهد الشرق الأوسط أوضاعاً مضطربة ومعقدة للغاية.  إن فترة ترامب السابقة في الحكم قد توفر مقدمات منطقية لما يكون عليه الحال تجاه الشرق الأوسط، إلان أن هناك اعتقاد سائد يوضح بأن نهج ترامب قد يختلف في فترته الانتخابية الثانية وهذا الاعتقاد يعززه الهيمنة الترامبية الطاغية على حزبه بالإضافة إلى التغيرات الدراماتيكية التي شهدها الشرق الأوسط منذ ولايته السابقة وأبرز هذه المشاهد هي حرب غزة ولبنان والدور الحوثي المشاغب وغياب الأسد عن الساحة السورية. وفي ظل هذه التغيرات، يصعب على دونالد ترامب استئناف سياسته السابقة في الشرق الأوسط الأمر الذي يثير تساؤلات عميقة حول تداعيات فوزه على قضايا الحرب والسلام والاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط[1].

لا ينبغي أن يكون انتخاب دونالد ترامب كرئيس الولايات المتحدة السابع والأربعين مفاجئاً في ظل حالة الاستقطاب الحاد والأخطاء المتتالية التي ارتكبها الحزب الديمقراطي وقيادته. ومع ذلك، فإن عودته إلى السلطة ستزيد على الأرجح من حالة عدم اليقين القائمة على الصعيدين الداخلي والخارجي. ستعود شعارات “أمريكا أولاً” و”اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى” إلى الواجهة، حتى وإن لم تترجم إلى مكاسب فورية وملموسة على المستوى الوطني. أما على المستوى الخارجي، لا تزال هناك قضايا غير مكتملة في السياسة الخارجية الأمريكية من فترة حكم ترامب الأولى (2016-2020)، ومع ذلك، فإن هذه الولاية الجديدة تبدأ في ظل حروب مشتعلة في أوكرانيا وفلسطين، وهي نزاعات ساهمت إدارة بايدن في تأجيجها عبر تقديم الأسلحة والأموال. من المحتمل أن يسعى ترامب وفريقه إلى الدفع نحو وقف إطلاق النار أو التوصل إلى اتفاقات سلام مؤقتة لإبراز مهاراتهم في صنع السلام وقدرتهم على “إيقاف الحرب”، كما ذكر في خطاب انتصاره في فلوريدا.

الاعتقاد بأن رئاسة ترامب ستجلب السلام إلى الشرق الأوسط هو رهان محفوف بالمخاطر، لا سيما في ظل علاقاته الوثيقة هو والعديد من مساعديه بإسرائيل، وهو ما يجعل من غير المرجح أن تتحسن الأوضاع بالنسبة للفلسطينيين أو أن يتم إيجاد مسار حقيقي نحو إقامة دولة فلسطينية. كما أن علاقاته مع القادة في المنطقة العربية والشرق الأوسط قد تؤدي إلى إبرام صفقات يتم من خلالها نقل بعض المسؤوليات الأمنية إلى الفاعلين الإقليميين. لكن سرعة الأحداث وتبدلها قد تؤدي إلى تغيير المواقف بين عشية وضحاها، ومنها ما يدعو إليها ترامب الآن من خروج أهل غزة منها إلى الدول المجاورة من أجل إعمارها وهي دعوة تنذر بتطورات خطيرة تمس الأمن العربي وتأجيج ما يحيط بالقضية الفلسطينية من وزيادة الصراعات والتوترات في الشرق الأوسط. وإذا كان هناك ملفان أساسيان ستُركّز عليهما إدارة ترامب الجديدة في الشرق الأوسط، فهما السعي إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، والعودة إلى سياسة العقوبات القصوى ضد إيران.

هل ستكون سياسة ترامب في ولايته الثانية استمراراً لسياسة بايدن في الشرق الأوسط؟

اللافت في أدبيات السياسة الأمريكية انه لا توجد إدارتان أمريكيتان متطابقتان تماماً، لكن الاختلافات بينهما غالباً ما تحجب أوجه الاستمرارية، لا سيما في مسائل السياسة الخارجية. إذا نظرنا إلى سياسات إدارة بايدن تجاه الشرق الأوسط، سواء فيما يتعلق بإسرائيل أو إيران أو تطبيع العلاقات العربية-الإسرائيلية، أو قضية الصحراء الغربية ،أو سياسة الطاقة أو أي قضية أخرى تقريباً، فسنجد أن هناك القليل جداً مما يميزها عن السياسات التي كان يمكن أن تنتهجها إدارة ترامب الثانية.

وبالمثل، يمكننا توقع أن يستأنف ترامب من حيث انتهى بايدن. قد تضيف إدارته لمساتها الخاصة، لكن لا ينبغي توقع أي قطيعة جذرية. في الواقع، فإن المبادرات المختلفة التي أطلقتها إدارة ترامب الأولى فيما يخص القدس ومرتفعات الجولان السورية ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) يُنظر إليها بشكل أفضل على أنها تتويج منطقي لعقود من السياسة الأمريكية، وليس مجرد تحولات مفاجئة.

إن تحديات التنبؤ بنهج إدارة ترامب الثانية تكمن في تقلباته، فقد يتخذ إجراءات تؤدي إلى تصعيد مع إيران أو يفرض حلولاً للحيلولة دون اندلاع حرب جديدة.  ومع ذلك فإن فوز ترامب يعني عودة النهج التبادلي الذي كان السمة البارزة خلال ولايته الأولى وكما يقال عنه “أنه رجل الصفقات “. وقد أدرك العديد من قادة الشرق الأوسط طبيعته التبادلية في وقت مبكر واستغلوها لصالحهم. على مدى السنوات الأربع المقبلة، سيسمح هذا النهج التبادلي لإسرائيل ودول الخليج بالتأثير بشكل كبير على إدارة ترامب بما يتماشى مع مصالحهم السياسية الفورية وطموحاتهم الإقليمية.  وستظل السمة البارزة في ولاية ترامب الثانية هي عدم القدرة على التنبؤ في سياساته خلال الفترة المقبلة الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع ودفع الشرق الأوسط نحو حرب شاملة بين إيران وإسرائيل، أو على العكس، قد يخفف التوترات ويحول دون اندلاع نزاع. هذا الغموض سيعزز اعتقاد القوى الإقليمية بأن استراتيجيات التحوط والموازنة لا تزال الخيار الأكثر حكمة2.

ماذا يعني فوز ترامب للفلسطينين؟

في عام 2018، ألغى الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب تمويل الولايات المتحدة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهو التمويل الذي أعاد الرئيس بايدن جزءاً منه في عام 2021. ومع عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025، من المرجح أن يستأنف ترامب نهجه التصادمي مع المؤسسات الدولية، بما في ذلك الأونروا، كما كان الحال في ولايته الأولى. وهذا لا يبشر بالخير للفلسطينيين المهجرين، الذين يعتمدون على الأونروا وغيرها من وكالات الأمم المتحدة للحصول على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم. وتزداد أهمية دعم الأونروا اليوم، حيث تحاول التعامل مع التداعيات الكارثية للهجوم الإسرائيلي على غزة، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 43,000 شخص، بينهم 28,000 امرأة وطفل، وأدى إلى شلّ الخدمات العامة الأساسية وخلق بوادر مجاعة في القطاع.

في وقت سابق، وجّهت إسرائيل ضربة أخرى للشعب الفلسطيني بإلغاء اتفاقية تعاونها مع الأونروا، والتي كانت سارية منذ عام 1967. وإذا قرر ترامب مجدداً قطع التمويل الأمريكي للوكالة، فقد تكون هذه الضربة القاضية التي لا تستطيع الأونروا التعافي منها. وعلى القيادة الفلسطينية والمجتمع الدولي الاستعداد لهذا الاحتمال، كما يجب أن يكونوا جاهزين لاستخدام الأدوات المتاحة لديهم، بما في ذلك تحميل إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، المسؤولية عن تقديم الخدمات الأساسية للفلسطينيين. في النهاية، تلعب الأونروا دوراً حيوياً لا ينبغي التفريط فيه، إلا إذا وُجد بديل أفضل وأكثر استدامة.

انعكاسات لقاء ترامب ونتنياهو على مستقبل الشرق الأوسط

لا يزال وقف إطلاق النار في غزة صامدًا لكنه هش، وسط ضغوط دولية لاستمراره. يواجه نتنياهو في واشنطن دعمًا أمريكيًا للتهدئة، بينما يركز ترامب على إطلاق سراح الرهائن، مما يتطلب تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق. على الصعيد الإقليمي، أعلن ترامب رغبته في إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين لدعم إعادة إعمار غزة، رغم الرفض العربي الأولي. في الوقت ذاته، يواجه نتنياهو وترامب أجندة أمنية طويلة، تشمل دعم إسرائيل عسكريًا واقتصاديًا بعد الحرب. وتشكل هذه الزيارة لحظة فارقة في العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، حيث يسعى نتنياهو لإظهار الثقة رغم الضغوط المتزايدة. يطالبه ترامب بالمضي قدمًا في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بينما يضغط عليه اليمين المتطرف لاستئناف العمليات العسكرية. في ظل دعم شعبي واسع لإعادة الرهائن، يواجه نتنياهو تحديًا سياسيًا كبيرًا، إذ قد يؤدي الفشل في إعادتهم إلى تصاعد الغضب الشعبي. في الوقت نفسه، جعلت أحداث 7 أكتوبر الحديث عن “السلام” مع الفلسطينيين غير مقبول لدى قطاع واسع من الإسرائيليين، مما يعقّد أي جهود دبلوماسية مستقبلية.

ومن خلال هذه الزيارة يمكن لواشنطن تحفيز نتنياهو على الامتثال للمرحلة الثانية من الاتفاق عبر عرض حافزين رئيسيين؛ أولهما بدء محادثات التطبيع مع السعودية، مما يمنحه مبررًا قويًا للانسحاب من غزة، رغم أن مطلب الرياض بشأن مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية قد يواجه رفضًا إسرائيليًا، ما قد يدفع واشنطن لإصدار بيان رسمي يحل محل التزام مباشر من إسرائيل. أما الحافز الثاني، فيتمثل في تقديم دعم أمريكي عملي لمواجهة التحدي النووي الإيراني مقابل تحرك إسرائيلي في غزة، حيث قد يلعب ترامب دور “الشرطي الصالح” بالضغط الدبلوماسي والاقتصادي، بينما تستخدم إسرائيل التهديد العسكري لدفع طهران نحو اتفاق، خاصة بعد إضعاف دفاعاتها الجوية. وبديلًا عن ذلك، قد يهدد نتنياهو بتنفيذ ضربات عسكرية ما لم تصل واشنطن إلى اتفاق مع إيران بحلول موعد محدد، لكنه سيظل بحاجة إلى دعم أمريكي، ما يفتح الباب أمام تقديم قدرات عسكرية لإسرائيل مشروطة بعدم استخدامها دون إذن، كإشارة على جدية واشنطن في التعامل مع هذا الملف3.

تعزيز الطموحات النفطية في منطقة الخليج

قد يعزز إعادة انتخاب دونالد ترامب طموحات دول الخليج في قطاع الهيدروكربونات، لكنه من غير المرجح أن يُعرقل أجنداتها المناخية. لطالما فضّلت سياسات ترامب في مجال الطاقة والوقود الأحفوري، وقد تؤدي رئاسته مرة أخرى إلى دعم صناعة النفط محلياً وعالمياً، مما يعود بالفائدة على اقتصادات الخليج التي تعتمد على صادرات الهيدروكربونات. كما أن إدارة أمريكية أقل تركيزاً على اللوائح المناخية قد تخفف الضغط على الدول المنتجة الأخرى للإسراع في إزالة الكربون، مما يمنحها مرونة اقتصادية على المدى القصير. وعلى الرغم من أن رئاسة ترامب قد توفر دفعة لأسواق الهيدروكربونات، فإنها لن تغيّر مسار استراتيجيات الخليج الخاصة بالتحول في قطاع الطاقة والمناخ، لأن القرارات في هذا المجال لا يحكمها من هو في البيت الأبيض، بل تحركها المصالح الاقتصادية الوطنية لدول الخليج.

تعتمد سياسات المناخ الخليجية، بما في ذلك الالتزامات بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية وتطوير الطاقة النظيفة(2)، بشكل أساسي على استراتيجيات التنويع الاقتصادي الإقليمي، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على عائدات النفط، إلى جانب تنامي المخاوف المحلية بشأن أمن الطاقة. وتظل هذه الأهداف طويلة الأمد أقل تأثراً بالتحولات السياسية في الولايات المتحدة، وأكثر ارتباطاً بحاجة الخليج إلى الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في ظل سوق طاقة عالمية متغيرة. ومع تزايد تدفق الاستثمارات المالية نحو الطاقة الخضراء عالمياً، تدرك دول الخليج أن الحفاظ على تنافسيتها يتطلب التقدم في مجال الطاقة النظيفة والتنمية المستدامة، عبر تحقيق التوازن بين طموحاتها في قطاع الهيدروكربونات والخطوات الأساسية نحو مستقبل متنوع ومستدام.

هل سيواصل ترامب أسلوب بايدن رغم الاختلاف في الأسلوب؟

في الشرق الأوسط، لم يكن ترامب (في ولايته الأولى) مناهضاً لأوباما، ولم يكن بايدن مناهضاً لترامب، ومن غير المرجح أن يكون ترامب (في ولايته الثانية) مناهضاً لبايدن. هذا لا يعني أن هؤلاء القادة متطابقون في سياساتهم تجاه منطقة الشرق الأوسط، إذ تختلف أساليبهم بشكل كبير. فقد تميزت الولاية الأولى لترامب بعلاقات شخصية محورية، وعدم القدرة على التنبؤ، وسعي الولايات المتحدة إلى تقليص دورها الإقليمي. كما أن رؤيته للنظام الإقليمي استندت أساساً إلى تطبيع العلاقات العربية-الإسرائيلية، مدعوماً بالدعم الأمريكي.

هذه السمات شكّلت أيضاً نهج بايدن. فقد انسحب ترامب جزئياً وبسرعة من سوريا، وبايدن فعل الشيء نفسه في أفغانستان. ولم تُحل مسألة القدرة على التنبؤ بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط خلال عهد بايدن، بل ستزداد تعقيداً في ظل ولاية ترامب الثانية. عملياً، واصل بايدن نهج ترامب في البحث عن نظام إقليمي قائم على التطبيع العربي-الإسرائيلي، كما أن بايدن دعم الحرب الإسرائيلية على غزة ومنحها غطاءً كاملاً للإفلات من العقاب، وهو نهج من المرجح أن يواصل ترامب اتباعه بصرامة أكبر.

الفرق الرئيسي بينهما كان في التعامل مع إيران والقوى الدولية في منطقة الشرق الأوسط. تبنّى ترامب سياسة احتواء صارمة تجاه إيران، وركز بشكل أساسي على الصين من حيث النفوذ الدولي في الشرق الأوسط. في المقابل، لم يتبع بايدن سياسة احتواء صارمة تجاه إيران، بل ركّز على الصين وروسيا، مع إعطاء الأولوية لموسكو على بكين فيما يتعلق بحضور القوى الخارجية في منطقة الشرق الأوسط. ورغم ذلك، فإن الاستمرارية، أكثر من التغيير، هي التي ميّزت سياسات الرؤساء الأمريكيين تجاه الشرق الأوسط، من أوباما إلى ترامب ثم بايدن، والآن مجدداً إلى ترامب4.

في النهاية، ستظل أبرز سمات ترامب هي عدم القدرة على التنبؤ والاندفاع الذي قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع ودفع منطقة الشرق الأوسط نحو حرب شاملة بين إيران وإسرائيل، أو على العكس، قد يخفف التوترات ويحول دون اندلاع نزاع. هذا الغموض سيعزز اعتقاد القوى الإقليمية بأن استراتيجيات التحوط والموازنة لا تزال الخيار الأكثر حكمة.

هل فوز ترامب فرصة يجب استغلالها!

صاحب فوز دونالد ترامب مزيج من التفاؤل والإحباط والقلق في الشرق الأوسط، ولكنه في نهاية المطاف قد لا يؤدي إلى تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط إذ أن الولايات المتحدة تحتفظ بتحالفات وشراكات والتزامات طويلة الأمد لن تتغير، بما في ذلك العمل مع حلفائها لهزيمة تنظيم داعش، ودعم إسرائيل، وتوسيع العلاقات مع دول الخليج. وبالمثل، فإن التوترات المستمرة مع إيران قد تتصاعد، لكن ذلك سيعتمد على كيفية تحرك إيران في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط بعد تصعيدها مع إسرائيل وتراجع نفوذ وكلائها وعلى وجه الخصوص سقوط نظام الأسد وانكسار شوكة حزب الله وانكشاف الحوثي في الجنوب. قد تعمد إدارة ترامب الجديدة إلى إعادة تقييم أو مراجعة لبعض هذه السياسات بما يتماشى مع النهج “التعاملي” القائم على الصفقات الذي يتبناه ترامب في صنع القرار. لكن يجب أن تنظر دول منطقة الشرق الأوسط إلى ذلك باعتباره فرصة لتطوير هيكل أمني جماعي قائم على مصالح واستقرار دول منطقة الشرق الأوسط وليس فقط على المصالح الأمريكية.

عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة تثير تساؤلات عديدة داخل دول مجلس التعاون الخليجي حول تداعيات ذلك على منطقة الشرق الأوسط. وعلى وجه الخصوص، قد يكون لفوزه تأثير إيجابي على المجالات العسكرية والأمنية مع معظم دول المجلس. ينطبق ذلك بشكل خاص على الإمارات، حيث من المرجح أن يؤدي إلى استئناف صفقات الأسلحة المتوقفة، مثل صفقة طائرات F-35 والطائرات المسيرة المسلحة. من جهتها، وعدت إدارة بايدن السعودية مراراً بتعزيز علاقاتها الأمنية مع الولايات المتحدة، إضافةً إلى منحها إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا العسكرية المتقدمة ومع ذلك، لم يكن هذا كافياً لتحفيز السعودية على اتخاذ خطوات نحو التطبيع، خاصة بعد تداعيات السابع من أكتوبر 2023 والتوترات الإقليمية المتزايدة.

ولاية ترامب الثانية تعني زيادة الضغوط على الحوثيين

من المرجح أن يشكل فوز ترامب تحولاً كبيراً في السياسة الأمريكية تجاه اليمن، حيث يُتوقع أن تتبنى إدارته نهجاً أكثر صرامة ضد الحوثيين كجزء من إعادة تبني سياسة “الضغط الأقصى” على إيران. قد يعمل ترامب على توسيع نطاق العمليات العسكرية في اليمن، بما في ذلك استهداف قادة الحوثيين والبنية التحتية العسكرية التابعة لهم. كما قد يمنح القوات الأمريكية صلاحيات أوسع للتعامل مع التهديدات، مع احتمال تصعيد العمليات الجوية والبحرية في مناطق أوسع.

ترامب قد يكون مفيداً للسودان

لا يزال الصراع في السودان متأزماً، نظراً لهشاشة اتفاق جدة، الذي لم يتم تنفيذه بنجاح حتى الآن. كان هذا الاتفاق، الذي وُقّع في مايو 2023، محاولة من الولايات المتحدة والسعودية والأطراف السودانية الرئيسية لوقف إطلاق النار وإنشاء قنوات للإغاثة الإنسانية وسط تصاعد الأزمة في السودان. يمكن أن تؤدي عودة ترامب إلى تعزيز فرص السلام بدلاً من ترسيخ الحرب. فمن ناحية، كانت ولايته الأولى تعاملية إلى حد كبير مع السودان، حيث ركزت على إزالة البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل انضمامها إلى اتفاقيات إبراهيم، ودفع 335 مليون دولار كتعويضات لضحايا الهجمات الإرهابية الأمريكيين5.

من المتوقع أن يواصل ترامب هذا النهج في ولايته الثانية، مع إعطاء الأولوية لتحالفات الولايات المتحدة مع اللاعبين الإقليميين الرئيسيين مثل السعودية ومصر والإمارات، وهي دول لها مصالحها الخاصة في الصراع السوداني. قد توفر علاقاته القوية مع السعودية وحلفائه الخليجيين فرصة للضغط على الأطراف الإقليمية لدعم جهود السلام بدلاً من الحلول العسكرية، والحفاظ على الضغط لتنفيذ وقف إطلاق النار وتعزيز الاستقرار في السودان.

ترامب وصناعة الحلفاء، وبأي ثمن!

تحت ولاية ترامب الثانية، من المرجح أن تسود الاستمرارية على التغيير في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، حيث ستواصل واشنطن نهجها التقليدي في دعم حلفائها الرئيسيين، وعلى رأسهم إسرائيل. لم تُظهر إدارة ترامب في ولايته الأولى أي بوادر للتراجع عن هذا الدعم، بل عززته من خلال قرارات مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها. ومن المتوقع أن تستمر هذه السياسة في ولايته الثانية، حيث ستظل تل أبيب تحظى بالدعم المطلق، سواء عبر المساعدات العسكرية أو الغطاء الدبلوماسي في المحافل الدولية.

في هذا السياق، لا يبدو أن واشنطن تعتزم إنهاء دعمها غير المشروط لإسرائيل، بل من المرجح أن تتوسع في تزويدها بشحنات الأسلحة المتطورة، مما يمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حرية أكبر في متابعة عملياته العسكرية في غزة والضفة الغربية. هذه السياسة قد تؤدي إلى تصعيد جديد في منطقة الشرق الأوسط، حيث ستُواجه الفصائل الفلسطينية مزيداً من الضغوط، مما يزيد من احتمالات اندلاع موجات عنف متكررة. في المقابل، قد تثير هذه التحركات استياء بعض الحلفاء العرب، الذين يسعون إلى تحقيق توازن أكثر استقراراً في علاقتهم مع واشنطن، وسط مخاوف من أن تؤدي هذه التوجهات إلى تفاقم التوترات الإقليمية6.

ختاماً، يمثل فوز دونالد ترامب في انتخابات 2024 نقطة تحول هامة بالنسبة للشرق الأوسط، حيث يحمل في طياته مزيجاً من الفرص والتحديات. ورغم أن سياساته قد لا تشهد تغييرات جذرية، فإن عودته إلى البيت الأبيض تفتح المجال لاستمرار بعض السياسات السابقة التي تتعلق بتحالفات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك التوترات مع إيران والدعم المستمر لإسرائيل. ومع ذلك، لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور في ظل النهج التبادلي والتقلبات التي تميز إدارة ترامب، مما يترك المجال مفتوحاً أمام احتمالات متفاوتة من التصعيد أو التهدئة. وعليه، يجب على دول منطقة الشرق الأوسط، خاصة دول الخليج، أن تكون جاهزة لاستغلال هذه الفرص لإعادة تشكيل السياسات الإقليمية بما يخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية على المدى الطويل، مع الحفاظ على توازن دقيق بين التعاون مع الولايات المتحدة والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

يرجى الاطلاع على المزيد من المقالات حول العلوم السياسية

لخدماتنا المختلفة يرجى الاطلاع على قسم الاستشارات

مراجع المقال

[1]  Lesch, D. W., & Haas, M. L. (Eds.). (2018). The Middle East and the United States: History, politics, and ideologies (6th ed.). Routledge.

2  Akbarzadeh, S., & Baxter, K. (2008). US foreign policy in the Middle East: The roots of anti-Americanism. Routledge.

3  Terry, J. J. (2005). US foreign policy in the Middle East: The role of lobbies and special interest groups. Pluto Press.

4   Ghazvinian, J. (2021). America and Iran: A history, 1720 to the present. Knopf.

5   United States. Congress. House. Committee on Foreign Affairs. Subcommittee on Africa, Global Health, Global Human Rights, and International Organizations. (2014). United States policy toward Sudan and South Sudan. U.S. Government Printing Office.

6  Prifti, B. (2017). US foreign policy in the Middle East: The case for continuity. Palgrave Macmillan