عانت سوريا، التي كانت ذات يوم قلب الحضارة والثقافة العربية، منذ عام 2011 من حرب أهلية طاحنة أدت إلى دمار واسع النطاق وفقدان مئات الآلاف من الأرواح وتشريد الملايين، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية وانهيار الاقتصاد. مع سقوط نظام الأسد، تلوح في الأفق فرصة لإعادة بناء البلاد وتحقيق المصالحة الوطنية والاستقرار. إلا أن هذه الفرصة تأتي مع تحديات معقدة تتطلب تعاونًا داخليًا ودعمًا دوليًا.
سقوط نظام الأسد وظهور قيادة جديدة
في ديسمبر 2024، تمكنت فصائل المعارضة السورية من السيطرة على دمشق، مما أدى إلى سقوط نظام الأسد وإنهاء حكم عائلة الأسد الذي استمر لأكثر من خمسة عقود. أُعلن عن تشكيل حكومة انتقالية برئاسة أحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام (HTS)، كخطوة أولى نحو إعادة بناء الدولة السورية وتحقيق المصالحة. تم تعليق الدستور الذي اعتمده الأسد في عام 2012، وحُلَّ الجيش والأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق. هذا التحول الجذري يفتح الباب أمام إعادة هيكلة النظام السياسي في سوريا، مع التركيز على بناء دولة مدنية ديمقراطية تضمن حقوق جميع مكوناتها. إلا أن التحدي يكمن في ضمان مشاركة جميع الأطراف السورية في هذه العملية، بما في ذلك المكونات الكردية، والعربية، والسريانية، والآشورية.
إن بناء سوريا الجديدة لا مفرّ منه دون مواجهة الماضي، أي أكثر من خمسين عامًا من حكم عائلة الأسد. يُعدّ افتتاح “مراكز المصالحة” في المدن الرئيسية الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية المؤقتة أحد الأدوات لتحقيق هذا الهدف. تم افتتاح أول هذه المراكز في حلب، حيث أصبحت المدينة تحت سيطرة قوات المعارضة، حتى قبل سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024. وتم افتتاح مراكز أخرى في محافظات حمص، حماة، دير الزور، اللاذقية، طرطوس، وإدلب. وتندرج هذه المراكز ضمن عملية أوسع لنزع السلاح والمصالحة، تهدف إلى إعادة دمج السوريين الذين عملوا مع النظام، ولا سيما الضباط العسكريين السابقين، في المجتمع السوري.
على الرغم من أن عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج ليست جديدة، إلا أن هذا الجهد في سوريا يرتبط بمساعٍ أوسع لتحقيق العدالة، تستند إلى مبادئ العدالة الانتقالية، وهي مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي تنفذها المجتمعات لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان السابقة وتعزيز المصالحة والمساءلة والإصلاح المؤسسي في سياقات ما بعد الصراع أو ما بعد الأنظمة السلطوية. وتهدف العدالة الانتقالية، التي تشمل تدابير قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، إلى معالجة جراح المجتمع ووضع أسس مؤسسية قوية ومتينة لبناء دولة شاملة، ديمقراطية ومستقرة. البديل عن العدالة الانتقالية هو الانتقام العشوائي، ومن الواضح أن اختيار هيئة تحرير الشام (HTS) وزعيمها المعين حديثًا، الرئيس المؤقت أحمد الشرع، لهذا المسار يُعدّ تطورًا إيجابيًا بلا شك، لكن هذه الخطوات الأولية لا تزال هشة وتجريبية. ومع استمرار المرحلة الانتقالية، سيكون النجاح الحقيقي مرتبطًا بكيفية إدارة المرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد وضمان استقرار البلاد على المدى الطويل(1).
الانخراط الدولي والديناميكيات الإقليمية
مع سقوط نظام الأسد، تتزايد أهمية الدور الدولي والإقليمي في دعم الاستقرار في سوريا. تسعى الولايات المتحدة، بالتعاون مع حلفائها، إلى دعم العملية الانتقالية وضمان عدم عودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى الظهور. من جهة أخرى، تعمل تركيا على تأمين حدودها الجنوبية والتأكد من عدم تشكيل أي تهديد من قبل القوات الكردية المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني. وفي الخامس عشر من شهر يناير 2025، دعا المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إلى إطلاق عملية مصالحة وطنية في سوريا لضمان تحقيق العدالة عن الجرائم التي ارتُكبت خلال العقود الخمسة الماضية من الحكم القمعي لعائلة الأسد.
في أول زيارة من نوعها لمفوض أممي لحقوق الإنسان إلى دمشق منذ سقوط نظام الأسد، التقى تورك برئيس الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، وكذلك بضحايا الجرائم التي وقعت خلال الصراع. وقال تورك للصحفيين في دمشق: “العدالة الانتقالية ضرورية بينما تمضي سوريا قدمًا. الانتقام والثأر ليسا الحل، بل ينبغي أن تكون هناك عملية مصالحة وطنية شاملة، قائمة على الحقيقة والشفاء والمساءلة.”
يكمن التحدي الرئيسي هنا في تحقيق توازن بين مصالح القوى الدولية والإقليمية وضمان سيادة سوريا ووحدة أراضيها بعد سقوط نظام الأسد. يتطلب ذلك تنسيقًا دقيقًا بين جميع الأطراف المعنية وتجنب أي تصعيد قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة. لقد رأينا كيف أن محاكمة مسؤولين سابقين في السجون السورية في ألمانيا جلبت بعض الإنصاف للعديد من السوريين الذين كانوا يسعون فقط لتحقيق العدالة على الأذى الذي لحق بهم وبعائلاتهم وبلدهم. يمكن الآن متابعة هذه الأشكال من المساءلة داخل البلاد، باستخدام الآليات القانونية والسياسية السورية. وهذا يتطلب سن قوانين جديدة وإنشاء محاكم وطنية.
في الوقت نفسه، سيكون القادة الانتقاليون في سوريا تحت ضغط هائل لقبول الدعم الدولي لتخفيف العقوبات بعد سقوط نظام الأسد. لكن هذا الدعم سيأتي بثمن باهظ، قد يشمل فرض رقابة دولية على عملية المصالحة. لقد رأينا كيف أن عمليات المصالحة المدفوعة دوليًا بعد الحرب الباردة غالبًا ما تطلب من الدول الانتقالية تبني لغة ومعايير الأمم المتحدة. وقد أدى ذلك إلى مشاكل مختلفة في أماكن مثل يوغوسلافيا السابقة ورواندا، حيث شكل التدخل الخارجي مسار عملية المصالحة. فقد يؤدي التدخل الدولي إلى إضعاف ارتباط المواطنين السوريين العاطفي بعملية المصالحة. لذلك، ينبغي على سوريا السعي إلى بناء عملية انتقالية ومصالحة خارج نطاق إشراف الأمم المتحدة والجهات الدولية الأخرى، من خلال دمج آليات المصالحة ضمن العملية الانتقالية نفسها(2).
التحديات في فرض القانون والنظام
بعد سقوط نظام الأسد وانهيار مؤسسات الدولة السابقة، تواجه سوريا تحديات كبيرة في إعادة بناء الأجهزة الأمنية والقضائية لضمان فرض القانون والنظام. يشمل ذلك التعامل مع الميليشيات المسلحة المنتشرة في البلاد، ونزع سلاحها أو دمجها في القوات النظامية. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الحكومة الانتقالية معالجة قضايا العدالة الانتقالية، بما في ذلك محاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت خلال الصراع، وتعويض الضحايا، وتعزيز المصالحة الوطنية والاستقرار. من المبكر جدًا إصدار تصريحات حول ما سيحدث لاحقًا في سوريا، فهناك مجال لكل من التفاؤل والتشاؤم في الأسابيع والأشهر المقبلة حيث سيواجه السوريون تداعيات مأساة السنوات الـ 13 الماضية من الحرب و54 عامًا من حكم عائلة الأسد.
في الوقت نفسه، ومع سقوط نظام الأسد، سيعملون على تأسيس عملية انتقالية تمهد الطريق لنظام سياسي جديد. أثناء ذلك، سيواجه المواطنون السوريون وقادتهم الانتقاليون أسئلة صعبة حول مستقبل البلاد. ولا يوجد سؤال أكثر أهمية من كيفية تحقيق المساءلة والعدالة والتعويض. ولا شك أن النهج الذي سيختاره القادة السياسيون السوريون المستقبليون في التعامل مع هذه القضايا سيعكس كيفية سرد الصراع وما إذا كانت المصالحة الحقيقية بين السوريين ستتحقق. على الرغم من أنه من المبكر الحكم على الشكل الذي ستتخذه هذه العملية، فمن المرجح أن تتجنب سوريا اتباع النموذج اللبناني. فبعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، انتهج القادة اللبنانيون سياسة “النسيان الرسمي”، حيث تم تصوير الحرب على أنها نتيجة لتدخل قوى خارجية في الشؤون اللبنانية.
باستثناء سجن سمير جعجع، تجنب جميع قادة الميليشيات خلال الحرب الأهلية أي شكل من أشكال المساءلة عن أفعالهم. بل إن العديد منهم، مثل نبيه بري ووليد جنبلاط، لا يزالون أعضاء في البرلمان حتى يومنا هذا. وقد أعفى مشروع النسيان الرسمي قادة الميليشيات اللبنانية من أي مسؤولية عن الحرب، وكان من المتوقع أن يواصل المواطنون اللبنانيون حياتهم دون المطالبة بالعدالة أو تحقيق المصالحة. لا شك أن سوريا ستكون مختلفة بعد سقوط نظام الأسد، حيث إن قادتها الجدد ليسوا مجرد إعادة تدوير لشخصيات من الماضي.
هناك رغبة قوية في محاسبة مسؤولي النظام السابق على دورهم في الصراع من خلال عملية قضائية. والتحدي الرئيسي سيكون في تحقيق التوازن بين العدالة والمساءلة من جهة، وبين المطالب الحتمية بالانتقام من جهة أخرى. وأي عملية مصالحة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد يجب أن تأخذ هذا التوازن في الاعتبار لضمان أن تعكس آليات العدالة مفهوم المصالحة. يشير العفو الأخير الذي أصدرته هيئة تحرير الشام عن الجنود المجندين إلى أن السلطات الانتقالية ستستهدف فقط كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين في النظام للمحاكمة. وهذا يبشر بالخير لأي عملية مصالحة داخلية، حيث يميز بين صناع القرار في النظام وبين المواطنين العاديين الذين كانوا جزءًا من الجيش أو البيروقراطية (3)
القوات الكردية ورؤيتها لسوريا
تلعب القوات الكردية، ممثلة بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، دورًا محوريًا في المشهد السوري بعد سقوط نظام الأسد. تسعى قسد إلى بناء دولة سورية ديمقراطية، علمانية، ولا مركزية، تضمن حقوق جميع مكوناتها. أكد قائد قسد، مظلوم عبدي، أن القوات الكردية لا تسعى إلى الانفصال أو إنشاء حكم ذاتي على غرار إقليم كردستان العراق، بل ترغب في إدارة محلية ضمن دولة سورية موحدة تضمن الاستقرار والمصالحة بين جميع المكونات. كما أشار إلى أهمية استمرار وجود القوات الأمريكية في سوريا لمنع عودة تنظيم داعش وضمان الاستقرار.
مع ذلك، تواجه قسد تحديات في علاقتها مع الحكومة الانتقالية الجديدة، حيث لم تُشرك في المفاوضات التي أدت إلى تشكيل هذه الحكومة. ومع سقوط نظام الأسد، تجري حاليًا محادثات بين قسد والسلطات الجديدة بوساطة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا للتوصل إلى تفاهمات حول مستقبل سوريا ودور القوات الكردية فيها في إطار المصالحة الوطنية.
الجهود الدولية نحو الاستقرار
تلعب القوى الدولية دورًا حاسمًا في دعم الاستقرار في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. تتضمن هذه الجهود تقديم مساعدات إنسانية، ودعم إعادة الإعمار، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية. تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على تقديم الدعم الفني والمالي لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، وتعزيز قدرات الحكومة الانتقالية في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. كما يتم التركيز على دعم المجتمع المدني وتعزيز سيادة القانون وحقوق الإنسان. من جهة أخرى، تسعى روسيا إلى الحفاظ على نفوذها في سوريا من خلال دعم عملية الانتقال السياسي والمشاركة في جهود إعادة الإعمار. يُتوقع أن تلعب موسكو دورًا في الوساطة بين مختلف الأطراف السورية لضمان تحقيق تسوية سياسية شاملة تدعم المصالحة والاستقرار.
بعد سقوط نظام الأسد، صلت باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، برفقة وفد رفيع المستوى، إلى العاصمة السورية دمشق في 19 ديسمبر 2024، في أول زيارة من نوعها منذ أكثر من 13 عامًا، لمناقشة مستقبل العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة. وتمثل هذه الزيارة بداية مرحلة سياسية جديدة في سوريا بعد عقد من الصراع المدمر. بعد محادثات مع القائد الجديد لسوريا، أحمد الشرع، الذي يرأس مجموعة تُعرف باسم “هيئة تحرير الشام” (HTS)، أعلنت البعثة الدبلوماسية الأمريكية أن الهيئة تعهدت بضمان عدم تشكيل الجماعات الإرهابية أي تهديد داخل سوريا أو خارجها للولايات المتحدة أو لشركائها في المنطقة.
مع سقوط نظام الأسد، أكدت الحكومة السورية الجديدة استعدادها لبناء علاقات سلمية مع الولايات المتحدة. وعقب الاجتماع، قامت الولايات المتحدة بإزالة المكافأة التي كانت قد رصدتها بقيمة 10 ملايين دولار مقابل القبض على أحمد الشرع. الموافقة الأمريكية على الحكومة السورية الجديدة تمهد الطريق أمام تحركات دبلوماسية من دول أخرى. ففي 21 ديسمبر، أعلنت قطر عن إعادة فتح سفارتها في دمشق بعد 13 عامًا من إغلاقها.
على الصعيد العربي، ومع سقوط نظام الأسد، أرسلت كل من السعودية والأردن وفودًا دبلوماسية إلى سوريا. أما تركيا، التي لعبت دورًا رئيسيًا في التطورات السياسية الأخيرة في سوريا، فقد أعادت فتح سفارتها في دمشق في 14 ديسمبر، وأعلنت عن سلسلة من الالتزامات لدعم الحكومة السورية الجديدة دبلوماسيًا وعسكريًا. أما الدول التي كانت لها علاقات وثيقة مع إدارة الأسد فقد أعلنت دعمها لسلام سوريا واستقرارها وسيادتها. ويرى المراقبون أن التطورات السياسية غير المتوقعة الأخيرة تدفع القوى الإقليمية والدولية للتنافس على النفوذ في سوريا.(4)
صرح بدر السيف، الخبير في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد تشاتام هاوس البريطاني، أن هذا التنافس يجري حاليًا بطريقة سلمية، لكنه حذّر من أن عملية السلام في سوريا لا تزال هشة للغاية، لذا يجب تجنب التدخل الخارجي المفرط. وأضاف: “يُصوَّر مستقبل سوريا غالبًا على أنه طريق مليء بالفوضى والاضطرابات وعدم اليقين، بينما هناك آخرون على الأرض يحتفلون ويعتقدون أن الأمور ستكون وردية ومليئة بالأخبار السارة. أعتقد أن الحقيقة ليست هذا أو ذاك فقط، بل مزيج من الأمرين معًا، وعلينا أن نكون واعين بأن هذه العملية لا تزال قيد التطور بعد سقوط نظام الأسد.”
وقد صرح قائد هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، في اجتماعاته الأولى مع الدبلوماسيين الأجانب، أن عملية السلام الجديدة في سوريا يجب أن يقودها الشعب السوري. وأضاف أحمد الشرع: “الأمر الأهم هو أن تتفق القوى الكبرى على بعض المبادئ المشتركة. أولها استقلالية القرار السوري، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية وأمنها. والثاني هو مساعدة سوريا في حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها الشعب السوري.” بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة موقفًا يدعو إلى الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة مؤسساتها الوطنية، مع التأكيد على ضرورة تجنب الفوضى وضمان الأمن والاستقرار للشعب السوري. في بيان صادر عن وزارة الخارجية الإماراتية، دعت الإمارات جميع الأطراف السورية إلى تغليب الحكمة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد، والعمل على تحقيق تطلعات الشعب السوري بكافة أطيافه.(5)
قبل سقوط نظام الأسد، كانت الإمارات قد لعبت دورًا قياديًا في إعادة تأهيل العلاقات مع سوريا، سعيًا لإبعادها عن النفوذ الإيراني. فقد أعادت فتح سفارتها في دمشق في ديسمبر 2018، وكانت تأمل في إبعاد الأسد عن إيران، ولعبت دورًا قياديا في استئناف علاقاته مع دول عربية ذات أغلبية سنية كانت قد نأت بنفسها عنه بعد أن قبلت الإمارات بقاء الأسد في السلطة(6). مع سقوط نظام الأسد، أعربت الإمارات عن قلقها من احتمال استغلال الجماعات غير الحكومية للفراغ السياسي في دمشق، محذرة من مخاطر الفوضى والتطرف. هذا الموقف يعكس تخوف الإمارات من صعود الجماعات الإسلامية وتأثيرها على استقرار المنطقة(7).
في هذا السياق، تركز الإمارات على دعم استقرار سوريا بعد سقوط نظام الأسد من خلال تشجيع الحوار بين مختلف الأطراف السورية، وتقديم المساعدات الإنسانية، والمساهمة في جهود إعادة الإعمار، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة وتجنب الانزلاق نحو الفوضى.
المسار المستقبلي: الفرص والتحديات
مع سقوط نظام الأسد، تبرز فرص حقيقية لبناء سوريا جديدة تقوم على أسس الديمقراطية والتعددية والعدالة. من أهم الفرص المتاحة تعزيز مشاركة المجتمع المدني في عملية صنع القرار، والاستفادة من الدعم الدولي لإعادة الإعمار، وتعزيز المصالحة الوطنية والاستقرار. ومع ذلك، فإن التحديات لا تزال كبيرة، حيث تواجه البلاد صعوبات في تحقيق الاستقرار السياسي، وإعادة دمج الفصائل المسلحة في الجيش الوطني، وضمان عودة اللاجئين بشكل آمن وكريم. كما أن التنافس الدولي والإقليمي على النفوذ في سوريا قد يؤثر على عملية الانتقال السياسي، مما يستوجب إدارة حذرة للعلاقات مع الدول الفاعلة.
يظل نجاح سوريا في بناء مستقبل مستقر مرهونًا بقدرة القيادة الجديدة على تحقيق المصالحة بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية، وتجنب الانقسامات التي قد تؤدي إلى جولات جديدة من عدم الاستقرار. وفي نهاية المطاف، يعتمد استقرار سوريا على إنشاء مؤسسات حكم قوية وشفافة قادرة على تلبية تطلعات الشعب السوري وضمان عدم عودة الديكتاتورية أو الفوضى. اعتبارًا من فبراير 2025، تقف سوريا عند مفترق طرق حاسم بعد سقوط نظام الأسد حيث تواجه البلاد فرصًا كبيرة وتحديات هائلة في سعيها لتحقيق المصالحة والاستقرار.
على الصعيد الدولي، أعربت القوى العالمية عن استعدادها للمساعدة في جهود إعادة إعمار سوريا بعد سقوط نظام الأسد ففي محادثة حديثة مع الرئيس السوري المؤقت أحمد الشراع، أكد المستشار الألماني أولاف شولتز استعداد ألمانيا لدعم إعادة بناء البلاد، وشدد على أهمية عملية سياسية شاملة تتضمن مصالحة تكفل الاستقرار في البلاد. أما على الصعيد الإقليمي، فتعمل القيادة السورية الجديدة بنشاط على تعزيز العلاقات مع الدول المجاورة لتعزيز الاستقرار الإقليمي، حيث تسلط زيارات الرئيس الشراع إلى السعودية وتركيا الضوء على الجهود المبذولة لتعزيز العلاقات الدبلوماسية والتعاون في القضايا الأمنية، مثل مكافحة الإرهاب وإدارة الأنشطة العسكرية الكردية.
إلا أنه على الرغم من سقوط نظام الأسد، لا تزال الأوضاع الأمنية هشة، حيث تواجه مناطق مثل شمال شرق سوريا تهديدات من بقايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والمخاوف المتعلقة بالمحتجزين من أعضائه. علاوة على ذلك، فإن وجود عدة فصائل مسلحة يشكل تحديات أمام تحقيق السيطرة المركزية. وبالرغم من أن التحول السياسي في سوريا يفتح طريقًا نحو المصالحة والاستقرار وإعادة الإعمار، إلا أن الرحلة مليئة بتحديات معقدة وتعتمد فرص النجاح فيها على الدعم الدولي المستمر، والإدارة الفعالة، والحوار الشامل بين جميع الأطراف السورية، إلى جانب تحديات أخرى مثل الدمار الشامل في الاقتصاد السوري، حيث تفاقم التضخم وانخفضت قيمة العملة الوطنية.
بعد سقوط نظام الأسد، تواجه القيادة الجديدة مهمة صعبة في إنعاش الاقتصاد وسط استمرار العقوبات الدولية. وعلى المستوى الإنساني، أدى النزاع الطويل إلى واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، حيث يوجد ملايين النازحين داخليًا واللاجئين. يعد تلبية احتياجات هذه الفئات وتسهيل عودتهم الآمنة أمرًا ضروريًا لتحقيق المصالحة الوطنية والاستقرار. أيضاً، يظل دمج المجموعات السياسية والعرقية المتنوعة في إطار وطني موحد يمثل تحديًا كبيرًا، حيث تتطلب الجهود المبذولة لدمج الفصائل المسلحة المختلفة والتوفيق بين الرؤى المتباينة لمستقبل سوريا مفاوضات دقيقة وتنازلات متبادلة (9).
يرجى الاطلاع على المزيد من المقالات حول العلوم السياسية
لخدماتنا المختلفة يرجى الاطلاع على قسم الاستشارات
مراجع المقال
(1) مقال بقلم آنا ماريام روكاتيلو “التصالح مع الماضي في سوريا” 7 فبراير 2025. موقع اسبيون لاين. الرابط: https://www.ispionline.it
(2) سعيد حامد. مقال. “التحديات والمخاطر في مرحلة ما بعد سقوط النظام في سوريا”. بتاريخ: 18 يناير 2025. الرابط: https://www.aljazeera.net
(3) خبر لوكالة رويترز “المفوض السامي لحقوق الإنسان يحث على المصالحة في سوريا”. بتاريخ: 15 يناير 2025. الرابط: https://www.reuters.com
(4) مقال بقلم قوانق دونق “الجهود الدولية لاستعادة الاستقرار في سوريا” في موقع في أو في وورلد. بتاريخ: 24 ديسمبر 2025. الرابط: https://vovworld.vn/en-US
(5) خبر “الامارات تصدر أول بيان رسمي بعد سقوط بشار الأسد” في موقع سي إن إن العربية. بتاريخ 9/12/2024. الرابط: https://arabic.cnn.com
(6) تصريح أنور قرقاش “لا أعرف إن كان الأسد في الإمارات أم لا” بتاريخ:8 ديسمبر 2024. الرابط: https://alarab.co.uk
(7) مقال. أحمد المحمد “ما الذي يقلق الإمارات من الوضع في سوريا”. بتاريخ: 21/12/2024. الرابط: https://www.noonpost.com
(8) مقال. ” رئيس السوري المؤقت يزور السعودية” بقلم جون قامبريل. بتاريخ: 4 فبراير 2025 في موقع وكالة أسوشيتد برس. الرابط: https://apnews.com
(9) مقال: “ماذا بعد في سوريا”. بقلم: فيليب وازيلسكي” . ديسمبر 2024. الرابط: https://www.fpri.org