دور التحول الرقمي في تعزيز قدرات التنظيمات العسكرية

المواضيع ذات الصلة

منطقة اعلانية

spot_img

مفهوم التحول الرقمي وخصائصه المميزة

يعتبر الانتقال إلى أنظمة تقنية المعلومات الجديدة أو تنفيذ الخدمات الرقمية أو نقل أعباء العمل إلى أنظمة الحاسوب ليست عملية بسيطة، وإنما عملية معقدة تتطلب التدريب الشاق وإعادة الهياكل التنظيمية وإدخال وظائف جديدة. يُستخدم مصطلح التحول الرقمي لتوصيف عمليات متعددة داخل المؤسسات والهيئات ويكون لها تأثير على إجراءات العمل. وتجدر الإشارة إلى أن التغيير على مستوى الهياكل التنظيمية هو أساس التحول الرقمي لأن تغيير طبيعة المؤسسة يعني بالضرورة تغيير طريقة فريق العمل وإجراءات العمل وأساليب التنفيذ. فجميع هذه التغيرات قد تسبب بعض المعاضل عند التنفيذ، ولكنها تزيد من كفاءة العمل وزيادة الإنتاج والإنتاجية الأمر الذي يتيح للمؤسسة المتحولة رقمياً زيادة سرعة الإنجاز لديها مع توفير المزيد من الوقت والجهد (1).

يوجد العديد من التعريفات المستخدمة للتحول الرقمي، على سبيل المثال يمكن تعريف التحول الرقمي على أنه “عملية انتقال المؤسسات إلى أسلوب عمل يعتمد على التقنيات الرقمية في استحداث المنتجات والخدمات وتوفير قنوات جديدة من الدخل والعائدات وإيجاد فرص تزيد من قيمة المنتجات”. ويمكن أيضاً تعريف التحول الرقمي على أنه “التحول في الأعمال أو الحكومات أو إحداث تغيرات جوهرية على نماذج العمل وإجراءاته وقد يصل التحول الرقمي حتى تغيير المنتج أو طريقة تقديمه”. وقد يكون التغير استراتيجياً بحيث يتدخل في جميع وظائف وأعمال الشركة أو المؤسسة.

نظرة تاريخية وتسلسل دخول التحول الرقمي

بدأ التحول الرقمي مع ظهور الجيل الأول من أجهزة الحاسوب في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين حيث كانت تستخدم لتحويل الملاحظات المكتوبة إلى معلومات محوسبة يمكن معالجتها وتحليلها ومن ثم مشاركتها. وفي ثمانينيات القرن الماضي ظهرت الحواسيب الشخصية واستخدمت على نطاق واسع في المكاتب والمنازل، أما في التسعينيات، فظهر الانترنت وانتشر على نطاق أوسع.  ظهرت في تلك الفترة الشبكة العالمية (World Wide Web) والمتصفح الشهير (Mosaic) و (Netscape) وافتتن الناس باستخدام هذا الشبكات حتى أصبحت جزء من حياة الناس(2).

تطور الانترنت والشبكات فأصبحت ذات قدرات متقدمة وتعمل على معالجة مجموعات كبيرة من البيانات. كان تطوير التخزين السحابي (Cloud) بمثابة استجابة لكميات ضخمة وبصورة متزايد من البيانات والحاجة إلى قدرات واسعة ومستدامة تساعد على إدارة هذه البيانات وتحليلها ومعالجتها.  شهد هذا المجال بروز دور الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وقدما خيارات تقنية متطورة للمؤسسات التي تحاول جاهدة إلى تحويل عملياتها لتحقيق نتائج إيجابية. كما يعتبر الواقع الافتراضي والواقع الافتراضي المعزّز، بالإضافة إلى التقنيات القائمة على تحليلات الفيديو، هي جزء من مجموعة من القدرات المبتكرة التي تسهم في التحول الرقمي.

التطورات خلال الألفية الجديدة

شهدت الأعوام بعد 2000 تطورات متلاحقة ومتسارعة على جميع المجالات ولا سيما مجال الأنظمة والبرامج الرقمية. في الفترة خلال الأعوام 2000-2010 ازداد انتشار الهواتف المحمولة بصورة غير مسبوقة فأصبحت حياة الناس مرتبطة بصورة كبيرة بهذه الأجهزة التي صاحبتها ثورة في البرمجيات والبرامج الداعمة. وخلال تلك الفترة أيضاً ظهرت برامج التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و “تويتر” وظهر تطبيق “جوجل درايف”   و “دروب بوكس Dropox” كوسائل تخزين سحابي. كل تلك الاختراعات مهدت الطريق أمام التحول الرقمي في شتى المجالات ومختلف جوانب الحياة انطلاقاً من تفاصيل الحياة اليومية والترويج للأفكار والسلع ووصولاً إلى عقد الصفقات التجارية الكبرى.

أكثر ما يميز التطورات خلال الفترة من 2010 -2020 هو ظهور الهواتف الذكية المتطورة والأجهزة اللوحية المتقدمة والزيادة الكبيرة في سرعة الأنترنت حيث ظهرت تقنية الجيل الرابع (G4) والجيل الخامس (G5) وزيادة السعة التخزينية للحواسيب السحابية وبروز تقنيات الذكاء الاصطناعي ودخولها على مختلف المجالات ودخول أنترنت الأشياء (IoT) والربط الكبير الذي حققه بين مختلف الأنظمة الرقمية. لقد دخلت الأنظمة الرقمية في المجالات التجارية وظهرت العملات الرقمية والتقنيات المرتبطة بها مثل البلوك تشين. كل تلك الأنظمة والبرامج الداعمة جعلت التحول الرقمي أمراً واقعاً وضرورة ملحة يجب الأخذ به في شتى المجالات ولا سيما المجال العسكري.

الفترة الحالية والمستقبلية

انصب التركيز مؤخراً على الذكاء الاصطناعي (AI) وتحليل البيانات الكبيرة (Big Data) وتطور الواقع الافتراضي والواقع المعزز. فظهر نموذج تعلم الآلة (LLM) مثل برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي “تشات جي بي تي” (Catgut) و “جوجل بالمز PaLMs ” و “جوجل لاما”    و “جوجل لاما LaMA” و “ميتا”.  انعكست تلك التحولات الكبيرة والجوهرية على الميول المتزايدة نحو التحول الرقمي والاستعانة بتلك الأنظمة والبرمجيات لتحل محل البشر. فأصبح المشهد مألوفاً أن يرد الروبوت على استفسارات العملاء وأن يقدم لك النصح في شؤونك الذاتية والعائلية ويدير لك محفظتك المالية. وفي المجال العسكري، أصبح التحول نحو هذه الأنظمة الرقمية ضرورة في وقت السلم وأثناء العمليات العسكرية(3).

دور التحول الرقمي في تعزيز الكفاءة وتنسيق المهام

توجد العديد من المميزات الإيجابية والفوائد المتنوعة للتحول الرقمي للمؤسسات والشركات التي تتبنى التحول الرقمي ضمن نظامها. فيما يلي أهم هذه الإيجابيات والفوائد.

  • أولاً، تقليل التكلفة وتوفير الجهد، حيث يعمل التحول الرقمي على تقليل التكلفة وتوفير الجهد بصورة ملحوظة ويعمل على تحسين الكفاءة التشغيلية والتنظيمية، كما يدعم الجودة ويبسط الإجراءات ويسهل الوصول إليها من قبل العملاء والمستفيدين المستهدفين.
  • ثانياً، تخفيف ضغط العمل لأن التحول الرقمي يساهم في تخفيف الضغوط المستمرة على المؤسسات الحكومية وغير الحكومية من العملاء من أجل تلبية طلباتهم المتزايدة على الخدمات وذلك نتيجة لزيادة عدد السكان. كما يعمل التحول الرقمي أيضاً على تحسين الخدمات وتسريع إنجاز المعاملات والتخلص من بطء الإجراءات.
  • ثالثاً، مواكبة التقدم التقني: من شان التحول الرقمي أن يساعد على مجارية التقدم السريع والمستمر في مجالات التكنولوجيا وسهولة تطبيق أحدث التقنيات متى ما ظهرت والاستفادة من العدد الكبير من التطبيقات العلمية الجديدة.
  • رابعاً، تعزيز فرص العمل، حيث يعمل التحول الرقمي على فتح فرص عمل جديدة لتقديم خدمات مبتكرة وإبداعية لا تشبه الخدمات التقليدية المألوفة. كما يساعد هذا التحول أيضا على توسع المؤسسات وانتشارها في نطاق واسع والوصول إلى أكبر عدد من العملاء وكسر الحواجز الجغرافية.
  • خامساً، محاربة الفساد لأن التحول الرقمي يساعد على تقليل الفساد والقضاء عليه في بعض الأحيان وذلك من خلال التعامل الآلي مع حفظ السجل التاريخي لجميع الخطوات الأمر الذي يسهل كشف التلاعب في الإجراءات وكشف شبهات الفساد متى ما وجدت.

دور التحول الرقمي في تحقيق التنمية المستدامة

يساعد التحول الرقمي على تحقيق التنمية المستدامة لدى الشعوب. وفي هذا السياق، أقرت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في خطة 2030 نشر تقنية المعلومات والاتصالات والربط العالمي الذي يعمل على دفع عجلة التقدم البشري وسد النقص الرقمي ونشوء مجتمعات تقوم على المعرفة. تتضمن تقنية المعلومات والاتصالات قدرات هائلة من شأنها تسريع وتيرة التقدم في جميع أهداف التنمية المستدامة وتحسين الأحوال المعيشية للشعوب. وقد ركزت هذه الخطة على أهداف الصناعة والابتكار والبنية التحتية وأوضحت أن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها دون توفر بنية تحتية رقمية وأن العالم لم يتمكن من تقديم حلول قابلة للتوسع لأهداف التنمية المستدامة دون تنفيذ التحول الرقمي(5).

التحول الرقمي يعزز قدرات القوات المسلحة: تحسين كفاءة القوى البشرية في القوات المسلحة

يلعب التحول الرقمي دوراً محورياً في تعزيز كفاءة وقدرات القوى البشرية في مختلف الجيوش العالمية وذلك من خلال عدة محاور نذكر منها على سبيل المثال تحسين التدريب، حيث يتم استخدام تقنيات الواقع الافتراضي والواقع الافتراضي المعزز لتشبيه سيناريوهات التدريب الواقعية. زيادة فاعليّة نظام الإمداد من خلال إمكانية دمج الذكاء الاصطناعي (AI) في الخدمات اللوجستية للقوات المسلحة أن يحدث ثورة في إدارة سلاسل التوريد، وتحسين تخصيص الموارد، وتعزيز عملية صنع القرار.

ومع ذلك، فهو يتطلب نهجا شاملا يعالج التحديات والمخاوف المصاحبة للتنفيذ. كشف التقدم السريع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي عن فرص جديدة لدمجها في مختلف القطاعات، بما في ذلك الخدمات اللوجستية للقوات المسلحة. واعترافاً بإمكانيات الذكاء الاصطناعي، يجب على القوات المسلحة أن تسعى إلى استغلال قدراته على نطاق واسع وصولاً إلى المستوى التكتيكي لتحسين إدارة سلسلة التوريد، وتخصيص الموارد، وعمليات صنع القرار.

رفع الكفاءة القتالية إذ أن التقنيات الحديثة وأنظمة الاتصالات المتطورة على تحقيق ما يعرف بمفهوم “الحرب المرتكزة على الشبكات” وذلك من خلال تكوين صورة مشتركة وفورية ومتكاملة لميدان المعركة الأمر الذي يعزز الكفاءة القتالية للجنود في ارض المعركة. هذه التقنيات الرقمية الحديثة تعتبر الأساس الذي يساعد على تحسين الإلمام بالموقف المشترك للقوات مما يتيح لها تنسيق العمليات وتحديد الأهداف والاستجابة بسرعة للظروف المتغيرة. فيما يلي أهم أربعة مفاهيم تقنية لتعزيز القتال التعاوني الذي يعتمد على الأنظمة الرقمية.

تعززي تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التحول الرقمي داخل القوات المسلحة

تتوجه معظم الجيوش الحديثة في العالم نحو مجالات التقنيات العسكرية الناشئة مثل استخدام الذكاء الاصطناعي والأسلحة ذاتية التشغيل والتكنولوجيا الحيوية وغيرها من الأنظمة الرقمية الحديثة. جميع تلك الأنظمة سيكون لها تداعيات كثيرة على مستقبل الحروب والأمن العالمي. على سبيل المثال، أنشأت وزارة الدفاع الأمريكية مؤخراً المركز المشترك للذكاء الاصطناعي وتحاول جاهدة إدخاله على جميع المجالات العسكرية. أما الصين من جانبها تعمل على تطوير نظام ذكاء اصطناعي يستطيع التعرف على الوجه ويتم دمجه في شبكات الاستهداف والمراقبة والتجسس جوياً وبرياً وبحرياً، وقد نجحت في دمجه في الآليات العسكرية والأنظمة البحرية ذاتية القيادة. أما روسيا، فتسعى جاهده مجارية هذا التنافس القوي في مجال الذكاء الاصطناعي(6).

التحديات والاعتبارات الحالية والمستقبلية للتحول الرقمي

يعتبر التحول الرقمي في المجال العسكري من أكثر الموضوعات المُلحة في الفترة الأخيرة بسبب التطورات السريعة التي حدثت في مجال التقنيات الرقمية الحديثة، غير أن هذا التحول لم يكن سهلاً وسلساً لدى العسكريين وواجهته ومازالت تواجه العديد من العقبات والتحديات والمعاضل. ظلت القوات المسلحة تطلع بدور حماية البيانات، فأنشأت الوحدات المتخصصة للحماية السيبرانية إلا أنها واجهت تحديات الأمن السيبراني وتعقيداته وتداخلاته مع هيئات ومؤسسات الدولة الأخرى. وفي إطار السعي للتحول الرقمي، واجهت القوات المسلحة تحديات بشرية ذات صلة بتفكير المستخدم النهائي التي في بعض الأحيان تكون غير متحمسة للتغير ولو للأفضل. لم تختصر التحديات على الجانب البشري فحسب، بل أن التوافق بين مختلف الأنظمة الرقمية المستخدمة في القوات المسلحة وإمكانية العمل المشترك شكلت تحدى رقمي آخر أمام مسيرة التحول الرقمي.

تواجه القوات المسلحة في جميع أنحاء العالم التحديات الحالية وتتعامل معها بطرق مختلفة، غير أن التطورات المتسارعة فرضت عليها التعامل مع التحديات المستقبلية التي تواجه التحول الرقمي. تحديثات البرامج المستمرة تتطلب في بعض الأحيان تغيرات في نظام العمل والتفكير بصورة استباقية تحسباً لتحديات القادمة، كما أن المبالغة في التوقعات المرجوة من التحول الرقمي في المجال العسكري تجعل المستخدم في حالة عدم رضى دائم. تمثل التكاليف العالية وغير الثابتة لمشاريع التحول الرقمي تحدي أما واضعي الميزانيات العسكرية وقد تصطدم بقيود الصرف العام على مستلزمات الدفاع. علاوة على ذلك، فأن تدريب منتسبي القوات المسلحة على الأنظمة الرقمية يمثل عقبة حقيقية بسبب المستويات المعرفية المتفاوتة بالإضافة إلى نقص المهارات والمواهب المتخصصة في المجال الرقمي.

التهديدات السيبرانية وحماية البيانات: دور القوات المسلحة في الحماية السيبرانية

تتعامل القوات المسلحة مع معلومات وبيانات ذات حساسية عالية تتصل بالأمن القومي للبلاد والتوجهات الاستراتيجية والعمليات العسكرية الجارية والمستقبلية. لذا، تعتبر حماية هذه المعلومات ذات أولوية قصوى وأهمية بالغة، وتعتبر القوات المسلحة الدرع الحامي لبوابة المعلومات السرية إذ أن الأمن القومي للدول يعتمد بصورة كبيرة على الحفاظ على الأسرار العسكرية. حصول العدو على هذه المعلومات أو الوصول إلى الخطط الاستراتيجية وتحركات القوات أو المعلومات الاستخباراتية تنطوي على مخاطر كبيرة تؤثر سلباً على فعالية القوات وتضع أمن البلاد على المحك. فيما يلي أهم الجهود التي تبذلها القوات المسلحة على مستوى العلام في الحفاظ على الأمن السيبراني على المستوى العالمي(7).

  • أولاً، الولايات المتحدة الأمريكية حيث يوجد ضمن تنظيم وزارة الدفاع قسم مختص في حماية البنية التحتية العسكرية الحيوية من الهجمات السيبرانية ويشتمل هذا القسم على أحدث تقنيات الأمن السيبراني على مستوى العالم. تنتهج الولايات المتحدة أسلوباً استباقياً في الأمن السيبراني، وقد وضعت استراتيجية شاملة لحماية المعلومات العسكرية الأمريكية والبنية التحتية الحيوية، ويعمل قسم الأمن السيبراني في البنتاغون على تنفيذ هذه الإستراتيجية.
  • ثانياً، بريطانيا إذ أنها تتبع نهجاً شاملاً في التعامل مع قضايا الأمن السيبراني حيث تعمل على تعزيزه من خلال تعاون وزارة الدفاع مع القطاع الخاص والمجتمع المدني. يعتقد البريطانيون الأمن السيبراني القوي يتطلب مشاركة نشطة ليس فقط من قبل القوات المسلحة فحسب، بل هو عمل جماعي يتطلب مشاركة الجميع، وكل على حسب مستواه.
  • ثالثاً دولة الإمارات العربية المتحدة إذ يوجد بالقوات المسلحة الإماراتية مركز الأمن السيبراني الذي يقدم الخدمات الاستشارية المساندة للهيئات والمؤسسات الحكومية والخاصة فيما يخص قضايا الأمن السيبراني، ويقوم هذا المركز بدور فعّال في تعزيز الأمن السيبراني في الدولة ويشمل دوره مواجهة جميع التهديدات السيبرانية التي تمس الدولة في مختلف القطاعات.

التحديات السيبرانية

تشمل هذه التحديات مجالات الدفاع عن المعلومات التي يتم تداولها عن طريق الشبكات الرقمية والأنظمة، والتي تستلزم حمايتها من التهديدات السيبرانية. ومع التطورات الكبيرة في مجال البرمجيات وتطور قدراتها، فإن التهديدات والهجمات السيبرانية ستزداد بصورة كبيرة وملحوظة خاصة تلك التي تقوم بها دول أو جماعات إجرامية لديها أفراد وقدرات تتحرك بسهولة فيما بينها لتنفذ هجوم سيبراني ضد البنية التحتية. على الرغم من الضوابط الصارمة التي تفرضها القوات المسلحة على أنظمتها الرقمية ومستخدمها، لكنها تظل عرضة للهجوم السيبراني الأمر الذي يجعل التحديات السيبرانية من أكبر المخاطر التي تواجه التحول الرقمي في القوات المسلحة.

تحديات التكامل والتشغيل البيني . يعتمد التكامل الرقمي على دمج جميع الأنظمة الرقمية المتوفرة لمختلف الفروع والهيئات والوحدات. لذا، فإن وجود أنظمة متعدد وتطبيقات مختلفة قد تشكل تحدياً حقيقاً للمستخدم النهائي وقد تعيق التكامل الفعال بسبب عدم التوافق بين هذه الأنظمة المختلفة، كما أن معايير التشغيل قد تختلف من نظام إلى آخر الأمر الذي يجعل من الصعوبة تبادل البيانات والمعلومات ويعقِّد عملية التحول الرقمي. فمثل هذه التحديات التقنية تتطلب وجود حلول فعّالة لمعالجة نقاط الضعف في الأنظمة عند الدمج البيني مع ضمان إمكانية العمل المشترك بين مختلف الأجهزة التي تعمل منصات لتطبيق هذه التحول.

البنية الرقمية. تعمل البنية التحتية الرقمية على تمكين العمليات والأنظمة الحالية العاملة في القوات المسلحة، غير أن بعض البنى التحتية القديمة التي تفتقر إلى القدرات اللازمة لدعم الأنظمة الحديثة والتكامل فيما بينها مما يجعلها تحدي حقيقي أمام التحول الرقمي الكامل. لذا، يجب أن يتم تصميم هذه الأنظمة لتتناسب مع التطورات الحديثة، وبالتالي يجب أن تكون قادرة على معالجة كميات متزايدة من البيانات والمعلومات المختلفة. على الرغم من أن الأنظمة القديمة غالبًا ما تكون ضرورية، إلا أنها لم تكن مصممة للتفاعل بشكل جيد مع أجزاء التكنولوجيا الأخرى وتم إنشاؤها في عصر مختلف لحل مجموعة مختلفة من التحديات(8).

التحديثات المستمرة. التطورات المستمرة في التكنولوجيا تعني أن الأنظمة تحتاج إلى تحديثات منتظمة لضمان التوافق. هذا يتطلب موارد وإدارة مستمرة لضمان أن التحديثات لا تعطل العمليات الحالية. كما أن التطور المستمر لتلبية احتياجات العمل تعمل على تغيير توقعات المستخدمين مع احتمالية تغير المجال. لذلك، من الضروري مراقبة هذه التغييرات والاستعداد لاعتماد تقنيات رقمية جديدة. للحفاظ على المرونة، يجب أن يكون لدى المؤسسات نهج يركز على مستخدمي الأنظمة الرقمية وأن تعطي الأولوية لآليات الاتصال والردود المستمرة لمواكبة احتياجات المستخدمين المتطورة.

مواكبة التطورات المتسارعة . لا يمكن لعاقل أن ينكر أن مسألة التحول الرقمي للمؤسسات في عصر الذكاء الاصطناعي ليست سهلة، بل تتسم بالتعقيد، ولكنها ضرورية للمؤسسات الراغبة في الحفاظ على مكانتها في الطليعة والمقدمة ومواكبة التطورات المتسارعة في البيئة الرقمية. فالمؤسسات التي تتبنى الذكاء الاصطناعي وتطور قدراتها الرقمية بشكل استراتيجي ستكون في موقع أفضل للاستجابة للتغيرات السريعة والاستفادة من الفرص الجديدة، وتستطيع تقديم تجارب فريدة ومبتكرة لمستخدميها وعملائها، وتحقيق نمو مستدام ومزايا تنافسية على الأمد الطويل. لذا، فإن مواكبة هذه التطورات تمثل تحدي للقوات المسلحة، تماماً كما هي تحدي لبقية القطاعات الأخرى.

المبالغة في التوقعات.  يبدو أن البعض قد رفع سقف التوقعات فيما يخص التحول الرقمي في المجال العسكري وبالغ في النتائج المرجوة، حيث استند بعضهم إلى أفلام الخيال العلمي. على سبيل المثال، نقلت مجلة كمبتور ورلد (Computer World Magazine) عن مهندس الأبحاث الأمريكي سكوت هارتل قوله “أنه بعد عشرة سنوات من الآن سيكون هناك عشرة روبوتات مقابل كل جندي في الجيش الأمريكي، كما أن هذا الجندي سيكون حوله عدد من الروبوتات لتوفير الحماية والقيام بالبحث عن الأعداء ومسح الألغام الأرضية وتفكيكها.  لكن، الواقع المعاش في المعارك الحالية، يبرهن أن هذا الطرح مبالغ فيه ويشكل تحدي أمام تحول الجيوش رقمياً.

ارتفاع التكاليف المالية. ظل الجانب المالي يمثل تحدي كبير أمام التحول الرقمي وذلك لتكلفة مشرعات التحول الرقمي داخل الجيوش. على سبيل المثال، وضع الجيش الأمريكي عدة أهداف في إطار استراتيجيته للتحول الرقمي بين عامي 2021 و2028   تقوم على دعم حالة الجاهزية والتحديث ضمن خطة متكاملة واحدة وتمكين هذه المبادرات بحيث تكون متاحة للجيش الأمريكي بأكمله من أدنى مستوى تكتيكي وصولاً إلى أعلى مستوى تنظيمي. وفي الوقت نفسه، يجب على الجيش إنشاء عمليات وأساليب وأدوات موحدة لتقديم الخدمات للوحدات والتنظيمات على أن يعتمد كل هذا التحول على تقنية “السحابة” كعنصر تمكين لهذا التحول الجوهري. لكن، يتخوف مخططو وزارة الدفاع (البنتاغون) من قيود الميزانية المخصصة للدفاع في تلك الفترة(9).

الزيادة غير الثابتة في تكاليف التحول الرقمي. تعتبر التكاليف المالية للتحول الرقمي متغيرة بصورة سريعة يصعب التنبؤ بها في ظل التطور السريع في التقنيات والبرامج الداعمة.  فإذا ما استصحبنا زيادة تشكيلات القوات المسلحة واتساع نطاق عملها الذي قد يتجاوز العمل العسكري إلى المساعدة في الأعمال الإنسانية والاستجابة للكوارث الطبيعية، فإن ميزانية التحول الرقمي قد تتضاعف بسبب الحاجة إلى ربط جميع تشكيلات القوات المسلحة العاملة في مختلف المجالات وفي مناطق جغرافية خارجية وداخلية.

تحديات التدريب والتعليم المستمر. يتطلب التحول الرقمي فريق تقنية معلومات يتمتع بالمهارة العالية والأداء الاحترافي. غير أن استقطاب هذه الكوادر الماهرة والمواهب المتميزة أمراً بالغ الصعوبة إذا ما استصحبنا النقص الحالي في مجال كادر التقنية المتقدمة ولا سيما التقنية الرقمية. قد تواجه القوات المسلحة والوحدات التابعة لها تحديات في استقطاب أصحاب المهارات المناسبة ذات الصلة بالأمن السيبراني والهندسة الإلكترونية وهندسة البرامج ودمج وتكامل البرامج وتحليل وتبادل البيانات. كما أن تدريب هذه الكوادر البشرية على الأنظمة الخاصة المستخدمة في المؤسسات العسكرية يعتبر في حد ذاته تحدياً من حيث القيود التي تفرضها البيئة العسكرية.

التعليم الذاتي وتفاوت مستويات المعرفة الرقمية. في العصر الرقمي الحالي، أصبح لدينا إمكانية الوصول إلى العديد من المحتويات التعليمية التي أصبحت في متناول أيدينا وتعتبر جزء لا يتجزأ من واجبات التطور الذاتي للأفراد. على سبيل المثال، أطلق الجيش الأمريكي عدة مبادرات للتعليم الذاتي (مثل دورات التعليم المفتوح) التي تهدف إلى محو الأمية الرقمية بوصفها أحد مرتكزات التحول الرقمي. لكن التحدي الذي يواجه مثل هذه المبادرات هي أن الخلفية المعرفية لبعض الجنود لا تؤهلهم للالتحاق بمثل هذه الدورات الذاتية التي ترفع من مستواهم الرقمي وتؤهلهم للتعامل من الأنظمة الرقمية الحديثة.

التحول الرقمي هاجس الجيوش الحديثة. يعتبر التحول الرقمي الشغل الشاغل للجيوش الحديثة وأهم مرتكزات العمل الإداري والقتالي في الفترة الأخيرة، لذلك كان لا بد إيجاد الحلول المناسبة لجميع العقبات والتحديات التي تواجه هذا التحول. لتحقيق هذا التحول عملت معظم الجيوش على تحديث بنيتها الرقمية لكي تستوفي متطلبات الأنظمة الحديثة وفي سبيل ذلك اتبعت أساليب متعددة للتخفيف من التأثيرات المصاحبة لمرحلة التحول الرقمي. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل عملت الجيوش على تطوير استراتيجيات الأمن السيبراني باعتباره من أكبر مهددات الأنظمة الرقمية الحديثة، واتخذت إجراءات صارمة من خلال تطبيق حزم الأمن السيبراني. ظل إيجاد الحلول للتغلب على معضلات التوافق والتشغيل البيني من أكبر التحديات الفنية التي واجهت التحول الرقمي، لذلك كان التركيز على مرونة التشغيل واستخدام الأنظمة القياسية التي تسمح بالعمل المشترك مع الأنظمة الأخرى(10).

تحفيز الكوادر البشرية.  لحل المعضلات والتهديدات المرتبطة بالجانب البشري والإجرائي أثناء رحلة التحول الرقمي، ركزت الجيوش الحديثة على الاهتمام بتحفيز وتطوير الكادر البشري من خلال تحديد المهارات المستقبلية المطلوبة وتغيير طريقة التفكير مع مواصلة الدعم من القيادة والقائمين على أمر التحول. للتغلب على تحديات التطوير، لجأت الجيوش لعقد شراكات ذكية مع المؤسسات التعلمية المتخصصة لسد النقص في المهارات والكفاءات المتخصصة في مجال التقنية الرقمية، وفي ذات الوقت عملت على ابتكار أساليب حديثة للتغلب على التكاليف المالية العالية المصاحبة للتحول الرقمي. لقد ساهم قطاع الصناعات الرقمية بصفة عامة والصناعات الدفاعية بصفة خاصة في حل معضلات التحول الرقمي وذلك من خلال استحداث ابتكارات صناعية وتنفيذ شراكات بين القطاع العام والخاص(11).

يرجى الاطلاع على المزيد من المقالات حول موارد بشرية

لخدماتنا المختلفة يرجى الاطلاع على قسم الاستشارات

مراجع المقال

  1. حامد، ح. (2020). ما التحول الرقمي؟ اكتشاف الحقيقة وراء هذه الكلمة الطنانة . عالم التكنولوجيا، نشرة شهرية تصدر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري.
  2. مصطفى، ال. ع. (2018). تقنيات التحول الرقمي. جامعة الملك عبد العزيز، الرياض.
  3. الإمارات العربية المتحدة. ((2020). التحول الرقمي في دولة الإمارات العربية المتحدة. أبو ظبي.
  4. العزام، أ. ح. م(2001). الحكومة الإلكترونية في الأردن: إمكانية التطبيق (رسالة ماجستير). جامعة اليرموك.
  5. اللجنة العليا للتحول الرقمي. (2023). تقرير التحول الرقمي الحكومي 2023. أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة.
  6. عبد الله، م. (2024). دور القوات المسلحة في حماية الأمن السيبراني. مدونة الأمن السيبراني. تم الاسترجاع من https://cybercoded.net.
  7. قيادة الجيش الأمريكي. (2021). ستراتيجية التحول الرقمي في الجيش الأمريكي: الطريق إلى العام 2028 (ص 13). واشنطن.
  8. إفيرست، ب. (2024). استخدام الذكاء الاصطناعي في الإمداد المستقبلي. موقع الجيش الأمريكي. https://www.army.mil/article/267692/future_of_army_logistics_exploiting_ai_overcoming.
  9. دين، م. (2023). التحول في القتال الجوي التعاوني المستقبلي. موقع الدفاع والأمن في الشرق الأوسط. https://www.defsecme.com/defence/expendable-remote-carriers-transforming-the-future-of-collaborative-air-combat .
  10. موقع الجيش الأمريكي. (2024). استراتيجية التحول الرقمي نحو تأسيس قوات أكثر فاعلية وأعلى جاهزية. https://www.army.mil/article/251287/army_digital_transformation_strategy_to_create_a_more_lethal_ready_force.
  11. هلتبراند، ت. (2024). كيفية معالجة التحديات الرقمية العشرة. موقع Linkedin. https://www.linkedin.com/pulse/how-overcome-top-10-challenges-digital-transformation-troy-hiltbrand-lbkxc/