مستقبل التنافس البحري والسيطرة على المسطحات المائية والدور الأمريكي في الخليج العربي

المواضيع ذات الصلة

منطقة اعلانية

spot_img

الخليج العربي وساحات النفوذ في ظل التنافس البحري العالمي

تسعى الدول من قديم الزمان إلى تعزيز نفوذها في المناطق البحرية الهامة لحماية مصالحها العليا من خلال السيطرة على الممرات المائية وتأسيس قواعد دائمة على سطح البحار والمحيطات تمثل نقاط انطلاق لأي عمليات مستقبلية في مناطق نفوذها. حديثأ، فرضت التغيرات الجارية في موازين القوى العالمية إلى ارتفاع وتيرة التنافس خصوصاً بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والتي تُنذر بنشوب حرب عالمية ثالثة، وبروز الصين كقوة عظمى منافسة لقطبي العالم القديم (روسيا والولايات المتحدة الأمريكية) ومحاولة تعزيز علاقتها مع دول الشرق الأوسط وأفريقيا.

ظلت منطقة الخليج العربي تمثل المخزن الأكبر لاحتياطات النفط والطاقة على مستوى العالم وحلقة الوصل بين قارات العالم وبحاره ومحيطاته. لذلك، سعت الولايات المتحدة ومنذ بدايات القرن العشرين إلى بسط نفوذها في هذا المسطح المائي الحيوي، فعقدت الاتفاقيات الأمنية وصفقات البترودولار الشهيرة التي ضمنت لها موطأ قدم دائم في مياه الخليج العربي. ففي هذا الإطار، انتهجت الولايات المتحدة استراتيجيات عديدة تراوحت بين القوى الناعمة والتدخل العسكري المباشر لصيانة مصالحها العليا كما حدث في العراق مطلع الألفية الثالثة.

التنافس بين القوى العظمى على المسطحات المائية

تشهد البحار والمحيطات حول العالم تدافعاً بين القوى العظمى حيث عززت الأحداث الجيوسياسية الأخيرة الأهمية الاستراتيجية لتلك المسطحات المائية. برزت الأهمية الجيوستراتيجية للمسطحات الميائية وبصورة لم يسبق لها مثيل بعد التطورات ا لأخيرة التي أعقبت حرب اليمن والحرب الأوكرانية الروسية وبروز النفوذ الصيني في منطقة الشرق الأوسط وصراعات النفوذ حول بحر الصين وأمن الملاحة في مضيق تايون والتحالفات العابرة للحدود بين دول شرق أسيا وحلف الناتو المتمثلة في التقارب الياباني الأوربي الأمريكي، ودخول الفلبين كفاعل في المياه الإقليمية وتهديدات كوريا الشمالية التي جعلت المنطقة تعيش حالة عدم استقرار دائم.

برز التنافس في منطقة الشرق الأوسط وشرق أفريقيا حول مياه البحر الأحمر بين القوى العظمى بعد التغيرات الجيوسياسية الأخير في المنطقة. يستمد البحر الأحمر أهميته من أهمية الدول التي تطل عليه والممرات المائية مثل مضيق عدن إلى جانب سواحله وارتباطه بمنطقة القرن الأفريقي. وفي ظل التنافس المحموم حول البحر الأحمر، عزز الولايات المتحدة الأمريكية وجودها فأسست فريق عمل متعدد الجنسيات يركز على منع تهريب الأسلحة والمخدرات في مياه البحر الأحمر والحفاظ على وجودها العسكري ليضمن لها النفوذ الدائم في المنطقة. وفي ذات السياق، هناك وجود إيراني معاكس في الاتجاه والمصالح ومنافس في ذات الوقت الأمر الذي يزيد من حدة التنافس على البحر الاحمر1.

أقامت مؤخراً القوى العظمى قواعد عسكرية في الدول المطلة على البحر الأحمر. سعياً لبسط نفوذها في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، أعلنت روسيا عن خطة لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية في السوادن في قاعدة فلمنجو البحرية، بيما نجحت الصين في بناء قاعدة عسكرية في جينوتي. إن حقيقة توسيع النفوذ وإقامة القواعد العسكرية على أحد المسطحات المائية قد تدفع في بعض الأحيان إلى الصدامات ا لعسكرية عاجلاً أم آجلاً. استشعرت الصين أهمية وضرورة الحفاظ على قاعدة عسكرية متقدمة في البحر الأحمر بعد عملية الإجلاء من ليببا 2011 ومن اليمن 2015 ومن السودان 2023.

الدور الأمريكي في مياه الخليج العربي

إن مفهوم منطقة الخليج وأمن المياه الإقليمية ليس جديداً على القوى العظمى. لقد كتب المؤرخون عن رغبات القياصرة الروس عن التقدم جنوباً نحو الخليج. ويمكن رؤية هذه الرغبة في الوصية المزعومة لبطرس الأكبر عام 1725 الذي نصح أحفاده “بالاقتراب من القطسطنطنية والهند”، وأوضح في وصيته أن من يحكم هذه البلدان ومداخلها المائية سيكون الحاكم الحقيقي للعالم. هكذا ظل الخليج العرب رابطاً مائياً حيوياً تستخدمه الحملات العسكرية منذ بداية التاريخ. تجسد الإهتمام الأمريكي بشأن الخليج العربي من خلال مبدأ الرئيس جيم كارتر الذي أوضحه في خطاب حالة الاتحاد عام 1980 وذكر فيه أن الولايات المتحدة ملزمة باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها الوطنية في الخليج العربي2.

كانت منطقة منطقة الخليج العربي ومازالت من المناطق التي تجلت فيها مظاهر النفوذ الاميركي سياسيا واقتصاديا حيث اخذ ذلك الاهتمام بعداً اقتصاديا ثقافيا في بداية الامر مع ارسال البعثات التبشيرية واكتشاف النفط الا انه اكتسب ابعاداً اخرى اضافية تشمل العلاقات الامنية والعسكرية. تعدى الاهتمام الامريكي بالمنطقة الشأن الثقافي الى الشؤون الأمنية والدفاعية والاستراتيجية، حيث كانت في السابق تركز المصالح الامريكية على النفط واستخراجه واستثماره فحسب، لكن تغير هذا الوضع وأصبح للولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية متكاملة وخطوط حمراء وترى هذه المنطقة جزء لا يتجزأ من أمنها القومي3.

تعتبر مياه الخليج العربي من أكثر المناطق التي تحافظ فيها القوات الأمريكي على وجود عسكري دائم، ولعل سبب هذا التواجد الدائم هو الحاجة إلى تحقيق توازن استراتيجي وتوجيه رسالة رادعة لإيران وتحجيم دورها وأحياً يكون رداً على تهديدات إيران المتكرر في مياه الخليج. لذلك، ليس غريباً ما قامت به القوات الأمريكية في الفترة الأخيرة وبالتحديد في تاريخ 17 أغسطس من هذا العام حيث عبر مضيق هرمز “مجموعة “باتان” البرمائية التابعة “للبحرية الأمريكية”، ومن بينها السفينة “يو إس إس باتان”، و”يو إس إس كارتر هول”، و”يو إس إس هادنر”،  وكانت المجموعة مَحمية بشكل واضح للغاية من قبل طائرات مقاتلة من طراز “إف-35” تحلق على ارتفاع منخفض أثناء اقترابها من المضيق وربما بعد دخولها الخليج.

التحديات التي تواجه دول الخليج العربي في ظل المتغيرات الجيوستراتيجية

تجدر الإشارة هنا إلى أن طبيعة التحديات التي تواجه منطقة الخليج لم تعد تقليدية من حيث استمرار الحروب بالوكالة عبر تجنيد الميليشيات، والتهديدات السيبرانية واستهداف منشآت الطاقة، والقرصنة، وعرقلة الملاحة البحرية. لذلك، فإن استمرار الأزمات الإقليمية يؤثر سلباً على أمن دول الخليج، ويؤدي إلى الإخلال بميزان القوى بالمنطقة. كل هذه العوامل أو مصادر التهديد أدت إلى تعميق هواجس وشواغل دول والخليج وزيادة حالة عدم اليقين بشأن التطورات الجيوستراتيجية المستقبلية في المنطقة4.

إن التحديات التي تواجه دول الخليج والمهددات الأمنية في هذه التقلبات لا تعتبر شأناً داخلياً فحسب، بل هو شأن دولي يُعد من ملزمات تحقيق أمن الاقتصاد العالمي. لذلك، فإن عبء حماية أمن الخليج لا يقع على عاتق دول الخليج بمفردها، بل يعتبر مسؤولية جماعية إقليمية وعالمية. لقد أظهرت الحرب الروسية لأوكرانية في الآونة الأخيرة أن النفط والغاز سلعتان عالميتان، ولذلك سيظل الحفاظ على الاستقرار في الخليج مهمًا للسياسة الدولية وأن الاستقرار في هذه المنطقة الاستراتيجية يعني، بدون مبالغة، الاستقرار العالمي.

ختاماً، تظل البحار تحظى باهتمام الدول العظمى ولا سيما البحار التي تحيط بمنطقة الخليج العربي وعلى وجه الخصوص البحر الأحمر والخليج العربي وما تحتويه من ممرات ومضيفات مائية حوية وحاسمة لحركة سفن التجارة العالمية والقطع البحرية العسكرية في نفس الوقت. لذا، فإن التنافس على هذه المسطحات مبرراً ومنطقياً إذا ما استصحبنا موقع المنطقة الجيوستراتيجي بوصفها رابطاً وسطاً بين جميع قارات العالم. تجدر الإشارة هنا إلى أن القوى العظمى ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية قد لعبت دوراً كبيراً عبر وجودها التاريخي في هذه المنطقة ومن خلال منظور أمنها القومي تشكل مفهوم التوازن الاستراتيجي، إلا أن التغيرات الأخيرة التي شهدها العالم والصعود القوي لجمهورية الصين الشعبية قد يُنذر بتبدل هذا الدور.

يرجى الاطلاع على المزيد من المقالات حول

لخدماتنا المختلفة يرجى الاطلاع على قسم الاستشارات

مراجع المقال

1 مقال تحليلي ”   في ظل تدافع القوى العظمى.. الولايات المتحدة والجغرافيا السياسية المتغيّرة للبحر الأحمر”، مركز البحر الأحمر للدرسات السياسية والأمنية، https://redseacenter-rsc.org/?p=1615

2  مقال تحليلي “ضمان التواجد الأمريكي في الخليج العربي يمر عبر الشراكة وليس دور الشرطي”، موقع Atlantic Council ، https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/the-way-for-the-us-to-ensure-gulf-security-is-through-partnership-not-policing/

3  مقال تحليلي “التواجد الأميركي في الخليج ليس استثناءً عربياً” تاريخ الدخول 24 سبتمبر 2023، https://www.albayan.ae/one-world/2002-05-22-1.1313940

4  د.أيمن صالح البراسنىة، مقال تحليلي “تحديات الأمن الخليجي في ظل تراجع الدور الأمريكي”، مجلة درع الوطن،https://www.nationshield.ae/index.php/home/details/research